نجح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، خلال زيارته أنقرة، في كسب مهلة جديدة لتنفيذ وعود قطعتها بلاده لتركيا منذ عهد إدارة باراك أوباما، بسحب «وحدات حماية الشعب» الكردية من كامل المناطق التي تسيطر عليها غرب نهر الفرات، وعلى رأسها مدينة منبج.
الوعد الأميركي الذي قُطع قبل عبور «الوحدات» سد تشرين مطلع عام 2016، نحو أطراف منبج الشرقية، بقي نقطة مفصلية في ملفات الخلاف بين أنقرة وواشنطن. وظهر ذلك من خلال تكريس الوزيرين، تيلرسون ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، جلّ تصريحاتهما أمس عنه، على أن يكون حلّه البند الأول في «شراكة جديدة» تنتظر خطوات بناء ثقة، يفترض أن يبدأها الجانب الأميركي، على اعتباره أخلف وعده حتى الآن. تفاصيل زيارة تيلرسون التي أُعدّ لها كثيراً في أنقرة، عكست غياب الثقة بين الطرفين؛ فبعد اجتماع غاب عنه المترجمون أول من أمس، خرج بيان مشترك عن وزارتي خارجية البلدين، منعاً لوقوع أي التباس أو تحريف. وكان التفصيل الأبرز في هذا البيان في الشأن السوري، هو توافق الطرفين على وحدة الأراضي السورية واستقلالها، وعلى رفض لعمليات التغيير الديموغرافي، رغم التباين المحتمل في تجيير هاتين العبارتين وفق مصلحة كل منهما. وبينما أكد تيلرسون، خلال مؤتمر صحافي، أن بلاده سوف تعطي الأولوية لتنفيذ وعودها في منبج، لفت جاويش أوغلو إلى أن الزيارة تمهّد لعودة العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي، على أن يبقى ذلك رهن «تحقيق بعض الخطوات» من الطرفين. ووفق ما رشح عن مصادر مسؤولة في تسريبات لوسائل الإعلام، فقد حملت الزيارة عروضاً متبادلة من الطرفين، من دون أن يجري بتّ أيّ منها مباشرة. العرض الذي خرجت بعض تفاصيله للعلن، والذي قدمته أنقرة، يقضي بسحب «الوحدات» الكردية من منبج نحو شرق الفرات، على أن تتمركز في المنطقة قوات تركية وأميركية. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول تركي قوله إن الولايات المتحدة بصدد دراسة هذا الطرح الذي تسلّمه تيلرسون. وبدا لافتاً أن الغائب الأبرز عن مخرجات الزيارة ــ المعلنة ــ كان منطقة عفرين. ورغم أن «الوحدات» الكردية ترى أولوية التهدئة هناك على باقي المناطق المتوترة، فقد أظهر الجانب الأميركي اهتمامه بالمناطق التي تحتضن قواته العسكرية فقط، بما يتماشى وسياسته التي اتبعها خلال السنوات الماضية. الغياب الأميركي عن عفرين سوف يعزز فرص التعاون بين دمشق و«الوحدات» الكردية، لا سيما أن خطّ الإمداد الوحيد نحو المنطقة الخاضع لسيطرة القوات الحكومية، لا يزال ناشطاً.
وفي مقابل الجفاء التركي تجاه الضيف الأميركي، حرص الأخير على احتواء الحساسية التركية بهدف تقليص المسافة بين البلدين، مشيراً في حديثه الصحافي إلى أن بلاده ستعمل على استكمال تنفيذ وعودها، على أن يشمل التعاون مع أنقرة «جميع مناطق الشمال السوري في إطار تنسيق وثيق، مع العمل على تقديم الدعم اللازم لمباحثات جنيف... وبهذه الطريقة يتم ضمان توفير حماية دائمة للحدود التركية». ولم يهمل تيلرسون شكر أردوغان على «كرم الضيافة» خلال اجتماع أول أمس المطوّل، مضيفاً أنه عرض على الرئيس التركي جملة اقتراحات بشأن كيفية حل القضايا الخلافية بين البلدين، ولمس وجود تطابق في وجهات النظر في ما يتعلق بالأهداف في سوريا، بما يشمل مكافحة «داعش» وتأسيس «مناطق آمنة». أما جاويش أوغلو، فقد أكد أن الآلية المشتركة بين بلاده والولايات المتحدة حول سوريا ستتضمن مشاركة وزارتي الدفاع في البلدين إلى جانب هيئات أخرى، مضيفاً أن أنقرة تريد التأكد من عبور «الوحدات» الكردية إلى شرق نهر الفرات، لأن «حلول الاستقرار هناك يعتمد على من سيقوم بإدارة المدينة وتأمينها».
وبالنظر إلى التعاون والتنسيق اللصيق بين أنقرة وموسكو، وخاصة في الشمال السوري، ينتظر ما سيخرج عن الجانب الروسي بخصوص «التوافق» الأميركي ــ التركي حول منبج، لا سيما أن المنطقة تقع ضمن منطقة عمليات سلاح الجو الروسي، إلى جانب وجود قوات روسية ــ سورية مشتركة في ريف المدينة الغربي، على خطوط التماس مع القوات التركية وفصائل «درع الفرات». ومن اللافت أن هذا التطور يأتي بالتوازي مع لغة حادة في التصريحات الروسية تجاه واشنطن، بالتوازي مع التصعيد العسكري في ريف دير الزور، شرق نهر الفرات. وفي السياق نفسه، جدّد أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التأكيد على عدم شرعية الوجود العسكري الأميركي في سوريا، لافتقادها دعوة من الحكومة الشرعية أو تفويضاً من مجلس الأمن. وأوضح أن هذا الوجود يهدف إلى فصل جزء كبير من الأراضي السورية عن باقي البلاد.
وفي موازاة تلك التطورات، فإن من المتوقع أن يبحث مجلس الأمن الدولي، الأسبوع المقبل، مشروع قرار معدّل حول إقرار هدنة في سوريا، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية. المشروع الجديد جاء من قبل الكويت والسويد، اللتين أدخلتا تعديلات على المسودة التي طرحت هذا الأسبوع. ونقلت مصادر ديبلوماسية أن التعديلات تضمنت استثناء تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من أيّ هدنة مفترضة، وهو ما قد يتيح استمرار المعارك على بعض الجبهات، ويعقّد من عملية مراقبة انتهاكات الهدنة، نظراً إلى تداخل مناطق سيطرة «جبهة النصرة» مع باقي الفصائل المسلحة. ويطالب مشروع القرار بفرض هدنة لمدة 30 يوماً، تلبية لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الأسبوع الماضي، على أن يبدأ تسليم المساعدات الإنسانية بعد 48 ساعة من بدء وقف إطلاق النار. كذلك يدعو نص المشروع كل الأطراف إلى رفع الحصار عن كل المناطق، بما في ذلك الغوطة الشرقية ومخيم اليرموك والفوعة وكفريا.
(الأخبار)