الجزائر | كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع السنة المقبلة في الجزائر، تعززت المؤشرات على أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لن يترشح لها بعدما حكم البلاد عشرين عاماً. وآخر تلك المؤشرات أوامر متزامنة صدرت في الفترة الأخيرة عن قيادتي «جبهة التحرير» و«التجمع الديموقراطي»، وهما الحزبان اللذان يتقاسمان غالبية البرلمان والمجالس المحلية والحقائب الوزارية، تمنع أتباعهما من الخوض في الحديث عن فترة رئاسية خامسة لبوتفليقة.
وقبل فترة وجيزة كان الأمين العام لـ«جبهة التحرير» جمال ولد عباس، يُكرّر في كل اجتماع وفي كل تصريح أنّ الرئيس بوتفليقة بصحة جيدة وهو من يدير دفة الحكم وسيكون مرشح الحزب لانتخابات 2019، لكن فجأة تغيّر خطابه رأساً على عقب وأعلن في مؤتمر صحافي عقده في السادس من شباط الجاري أنه «ممنوع منعاً باتاً على كل المنتسبين إلى الحزب الخوض في الحديث عن عهدة خامسة للرئيس. ومن خرج عن هذه التعليمات سيتعرض للعقوبة». بل وأكثر من ذلك، قرر المكتب السياسي إحالة أحد أهم نوابه في البرلمان وهو رجل أعمال اسمه بهاء الدين طلبية، على لجنة التأديب بعد إعلانه السعي إلى تأسيس جمعية تدعم ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، مع أن إعلانه كان سابقاً لقرار المنع.
وكانت معلومات تسربت في الخريف الماضي، قد أشارت إلى أن قيادة الجيش حسمت أمرها وقررت رفض فترة رئاسية خامسة للرئيس بوتفليقة ونبهت إلى ضرورة العمل على توفير أجواء مناسبة لانتقال الرئاسة إلى شخص آخر في الانتخابات المقبلة بغية وضع حد نهائي للفراغ الرئاسي الذي دام طويلاً. ومع أنّ الرئيس بوتفليقة طلب في رسالة وجهها إلى الشعب في بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لمناسبة الذكرى الـ 63 لاندلاع الثورة التحريرية، دعا فيها الجيش إلى البقاء في منأى عن السياسة، فإنّ هذا التدخل يبدو طبيعياً، لكون الجيش معنيّاً مباشرة بالرئاسة. فمنصب الرئيس أمني أيضاً، وكل ما هو أمن بيد الجيش، وهو أيضاً وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ولا يمكن وفق التقاليد أن يخضع الجيش لقائد أعلى لا يختاره أو غير راضٍ عنه. وتداولت أروقة السياسة أخباراً مفادها أنّ دوائر القرار، تبعاً لهذه المستجدات، تعكف على ترتيب سيناريو الانتخابات بإعداد مرشح قادر على المنافسة لإبقاء الحكم بيد الجماعة الحالية. هذا السيناريو سيتبلور في الأسابيع والشهور اللاحقة وعند الانتهاء من تصميمه، يُعلن رسمياً اعتزال الرئيس بوتفليقة العمل السياسي. فيما تسعى أطراف في المعارضة مبكراً إلى تشكيل تكتل يقف خلف مرشح مشترك، رغم تباعد مواقفها بشأن كثير من القضايا الرئيسية في البلاد وقلة خبرتها في العمل الموحد.
المهم بالنسبة إليها حالياً هو تحقيق طفرة غير مسبوقة بهزم «مرشح الإجماع» كمدخل عملي للتغيير، حتى وإن أدى ذلك إلى خلافات جانبية بين أطرافها بعد ذلك. لكن التفاؤل هنا شحيح. فالمعارضة بكل أطيافها لا تملك شخصية يمكن أن يلتف حولها الجميع، لذلك من المرجح أن يقع الاختيار على مسؤول سابق، مدني أو عسكري، تحوّل بعد نهاية الخدمة أو بسبب خلاف ما، للعب في معسكر المعارضة، وهؤلاء كلهم تجاوزوا الخامسة والسبعين. وقد جرى تداول اسم مولود حمروش (76 عاماً عند الانتخاب) في دوائر بعض الأحزاب، وأيضاً في الصحافة، كمرشح مشترك للمعارضة، فيما لم يُعطِ رأيه حتى الآن، وهو يفضل أن يكون مرشحاً للسلطة وقد عرض نفسه أكثر من مرة. وهو الوحيد الذي يتوافر على مقياسَي إجماع المعارضة والجيش. ومولود حمروش كان مديراً في الرئاسة لدى الرئيس هواري بومدين، ورئيساً للحكومة في عهد الشاذلي بن جديد.
وكان عبد العزيز بوتفليقة قد ترشح لفترة رئاسية رابعة عام 2014 وهو مقعد، بعدما تعذّر على أجنحة الحكم الاتفاق على بديل. وظل على كرسيه، لكن أحمد أويحيى مدير الديوان الرئاسي السابق، كان ينوب عنه في كل أمور الحكم. وحين عُيِّنَ أويحيى في منصب الوزير الأول (رئيس الحكومة) في آب/ أغسطس الماضي، استردّ عدة صلاحيات كان الدستور الجديد قد أضافها إلى رئيس الجمهورية.
وبخروج بوتفليقة المحتمل من القصر الرئاسي، تدخل الجزائر مرحلة جديدة بصرف النظر عمن يملأ مكانه.