ما حدث أمس الإثنين في «منّا وجرّ» على mtv، وتحديداً في فقرة «من مرتي وجرّ» (تقديم ندي أبو شبكة)، أعادنا تلقائياً إلى مسلسل «محرومين» (كتابة غريتا غصيبة، وإخراج وائل أبو شعر) الذي عرضته المحطة في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي. حاول العمل ــ من دون أن ينجح ــ أخذ الدراما اللبنانية بعيداً عن لغة القصور والفخامة، وإذ به يقع في فخ السطحية والاختزال، مستخدماً تعاسة الأحياء الفقيرة ليصنع منها ديكوراً فقط، ويسقط على الفقراء صفات الجهل، مصوّراً النساء على أنهّن مجرّد منتظرات لرجل ثري يقلب حياتهن التعيسة رأساً على عقب، عدا عن تصوير هؤلاء كأنّهن غير متعلّمات، ومجرّد كائنات سلبية.
المشهد نفسه، حاول ندي أبو شبكة تجسيده في هذه الفقرة الأمس، ضمن إطار الرد على الحملات العنيفة التي طالت «قناة المرّ»، على خلفية قول رئيس مجلس إدارتها، ميشال المرّ، إنّ سبب غلاء دقيقة الإعلانات فيها يعود إلى كونها تطال شرائح ميسورة لا تستطيع بقية القنوات الوصول إليها.
ولعلّ كلام المرّ صحيح تقنياً في ما يتعلّق بالإعلانات والجمهور المستهدف، لكن الخطأ كان في خلطه ما بين الثقافة والعلم من جهة والمستوى الاقتصادي العالي من جهة أخرى. بدوره، سطّح أبو شبكة مفهوم الطبقية، وحتى اختزل الفقراء بصورة واحدة: أناس يرتدون القميص القطني الداخلي، ليلاً نهاراً، ويركبون الدراجات النارية، ويأكلون الفول فيما «يفقسون» حبّة البصل بجبينهم ويتكلّمون لغة سوقية.
حضر ندي إلى استديو «منّا وجرّ» راكباً دراجة نارية، وأخذ يتجول فيها بين زملائه. ارتدى «البروتيل»، وعلى يده اليسرى بان وشم mtv، وراح يردّد أنّه لا ينتمي إلى طبقة «الكلاس»، وأنّه من جماعة «الزقاقيين» و«له الشرف». شكا سوء أحواله المادية والديون المتراكمة عليه. وعلى طريقة السخرية المضادة، راح يعدّد بعض برامج المحطة التي تطال الفقراء وتساعدهم. وبعد هذا الاستعراض، طلب من بيار ربّاط أن يأكل الفول ويكسر البصلة بجبينه، ليظهر للجمهور أنّه مختلف عن جماعة آكلي «السوشي»، وسط صراخ إحتجاجي من زملائه الجالسين في الاستديو الذين طالبوه بألا يفعل ذلك و«يروح للآخر بالموضوع».
بعد هذه الفقرة، نزل فريق البرنامج إلى الشارع واستصرح بعض المارّة حول ماذا يأكلون (شاورما، وسودة دجاج، وسمك...)، وإذا ما كانوا من مشاهدي mtv، فأتت النتيجة أنّ غالبية هؤلاء يتابعون المحطة ويتناول هذه الوجبات الرخيصة.
في المحصّلة، زاد ردّ «منّا وجرّ» على الحملات التي هاجمت mtv الطين بلّة. فشل في مخاطبة طبقات إجتماعية دنيا، اُختزلت بشكل سطحي على صعيدي التفكير والذهنية، تماماً كما فعل «محرومين»، وكما فعل ميشال المرّ الذي حصر العلم والثقافة بالميسورين. قد غاب الفقراء والمعدمون عن هذه المشهدية تماماً، على الرغم من أنّ كثيرين منهم عصاميون ومثقفون وغير «زقاقيين».
ما فعله «منّا وجرّ»، أمس أظهر عورة إضافية في مفاهيم مخاطبة الجمهور، ومستخدماً لغة اختزالية وصوراً نمطية. هذا إذا وضعنا جانباً غياب النفس الفكاهي لدى صاحب هذه الفقرة التي يفتقر إلى أدوات الكوميديا.