في كانون الأول الماضي، في جلسة عقدتها الجمعية العمومية لنقابة المحامين في بيروت، أبلغ نقيب المحامين أندره الشدياق أعضاء الجمعية بأن هناك عجزاً متراكماً في الصندوق الاستشفائي بسبب النفقات الاستشفائية المترتبة عن خمسة أشهر، يجب تسديده من الحساب الخاص للنقابة. يبلغ مجموع العجز المتراكم نحو 20 مليون دولار.
ويعود «تاريخ» الخسارة، بحسب مصادر النقابة، إلى عام 2015 عندما قرّر النقيب السابق جورج جريج الاستغناء عن سياسة التعاقد مع شركة تأمين كما كان مُتبعاً، وإنشاء صندوق تعاوني خاص بالنقابة تُلزَّم إدارته لشركة «غلوب مد».

الصندوق لم يُنشأ بعد!

في 10 آذار 2015، أعلنت النقابة إطلاق «صندوق التعاضد للمحامين وعائلاتهم» لتغطية تكاليف الخدمات الطبية والاستشفائية، على أن تُدير «غلوب مد» الصندوق بدلاً من التعاقد مع شركة تأمين كما كان يجري سابقاً. حُرّر «عقد التعاون» بين جريج والشركة بتاريخ 26 شباط عام 2015، على رغم شكوك كثيرة طرحها عدد من المحامين، آنذاك، حول طبيعة العقد الذي أغفل صلاحية الصندوق التعاوني (أو صندوق التعاضد)، «صاحب الصلاحية الحصرية والصفة للتعاقد والتزام الخدمات والمنافع الصحية»، وفق ما يرد في مُذكّرة قدّمها المحامي إبراهيم مسلّم إلى النقابة وسُجلت لدى أمانة السر في 19 آب عام 2016، مُحمّلاً النقيب مسؤولية إبرام العقد.
اللافت أن عدداً من المحامين أكّدوا لـ «الأخبار» أن هذا الصندوق لم يُنشأ حتى الآن، «ولم تُعين له أي هيكلية واضحة»، علماً أن مُدّة العقد مع الشركة التي كان من المفترض أن تديره ينتهي مطلع الشهر المُقبل!
ما الذي كانت تقوم به شركة «غلوب مد» إذاً خلال السنوات الثلاث؟ بحسب مصادر مطلعة في النقابة، كانت الأخيرة تجبي الرسوم من المحامين وتجمعها تحت مُسمّى «صندوق الاستشفاء» لتُعطيها للشركة كي تُدير الخدمات الاستشفائية مع المؤسسات والمستشفيات. فهل كانت «غلوب مد» تؤدي دوراً «مموهاً» لدور شركات التأمين الاعتيادي إذاً؟ «بالتأكيد، لكن مع أكلاف أعلى!»، تُجيب المصادر نفسها.

ينتهي العقد الموقع مع الشركة الشهر المُقبل، والصندوق الذي كانت مُكلفة إدراته لم يُنشأ بعد!


وللتذكير، فإنّ استغناء النقيب جريج عن التعاقد مع شركة تأمين وإنشاء الصندوق التعاوني وتلزيم إدارته كان يهدف الى «تحقيق وفر يكون نواة احتياط يُستعمل لتقديم خدمات إضافية للمحامين»، بحسب النقيب السابق أنطوان قليموس، رئيس اللجنة التي كلّفها جريج درس جدوى المشروع. علماً أن المشروع رُفض مرتين في النقابة، مرةً عندما كان مطروحاً عام 1996، والثانية عام 2003، بسبب دراسات قُدّمت إلى النقابة أوصت بعدم صوابية اعتماده.

عجزٌ مُتوقَّع

بدأت النقابة تُسجّل عجزاً مالياً منذ العام التأميني الأول لها الذي تلا العقد، إذ أظهرت الكشوف المالية الأولية للعام التأميني 2015/2016 عجزاً فاق 4.5 ملايين دولار (http://www.al-akhbar.com/node/265535). وقتذاك لم يستجب النقيب السابق أنطونيو الهاشم لمطالب المحامين المتمثلة بفسخ العقد مع الشركة التي حمّلوها مسؤولية هذا العجز واتهموها بالإخلال بالقيام بمهماتها الموعودة.
في اتصال مع «الأخبار»، أكد الهاشم إنه «ليس لديه فكرة عن موضوع الصندوق»، مُكتفياً بالقول «إنه لم يعد نقيباً الآن»، ورافضاً التعليق على الموضوع. علماً أن عدداً من المحامين كانوا قد نبّهوا من المُضي في العقد، من ضمنهم النقيب السابق نهاد جبر الذي توقّع حينها أن يصل العجز إلى 15 مليون دولار.
وأوضح جبر في اتصال مع «الأخبار» أن العجز الحالي فاق التوقعات وتجاوز الـ20 مليون دولار، عازياً السبب إلى الفوضى المنتهجة خلال المجالس السابقة.
ولعلّ «المظهر» الأبرز للفوضى يتمثّل بعدم إقدام المجالس السابقة في عهد النقيبين الهاشم وجريج على إجراء قطع حساب مالي عن السنوات الثلاث الماضية.

من سيتحمّل المسؤولية إذاً؟

تنقسم آراء المحامين حول الجهة الواجب تحميلها هذا العجز الكبير. ثمة من يُحمّل النقيب جريج هذه المسؤولية، «إذ مضى في هذه الخطوة رغم التوصيات بعدم جدواها، فضلاً عن الشبهات التي يُثيرها غياب الصندوق الذي لم تُشكَّل هيئته بعد»، وفق ما يقول أحد المحامين، فيما يرى محام آخر أن شركة «غلوب مد» أخلّت بواجباتها ولم تلتزم مضامين العقد. في هذا الوقت، ثمة «اتفاق» على تحميل الهاشم مسؤولية المُضي في العقد وعدم اتخاذه قراراً بفسخه.
في اتصال مع «الأخبار»، أحال جريج الحديث على النقيب الحالي الذي «يستطيع وحده التصريح بهذا الموضوع». لكن، ألست من وقّع العقد مع الشركة؟ يرفض جريج التعليق، مُحيلاً الأمر مجدداً على النقيب الحالي. حاولت «الأخبار» التواصل مع إدارة شركة «غلوب مد» التي تهرّبت من الردّ، فيما نقل أحد موظفيها عنها عدم رغبتها في التعليق على الأمر.




الشدياق: الملف قيد العناية»

في اتصال مع «الأخبار»، قال النقيب أندره الشدياق إن الرقم المتداول لقيمة العجز «غير دقيق»، مُكتفياً بالقول إن «الأمر بات بعهدة النقابة، وهي ستعتني به جيداً». ماذا عن المُستندات المالية التي قيل إنها لم تُسلَّم بعد للمجلس الجديد؟ يقول الشدياق إن النقيب تسلّم جميع المُستندات التي هي ملك للنقابة وليست ملكاً للنقباء. ماذا عن عمليات قطع الحساب؟ هنا، يُجيب النقيب بأنّ قطع الحساب النقابي أُنجز، أما قطع الحساب الخاص مع شركات التأمين «فيجري العمل عليه»، مُركّزاً على جملة «الأمر مش متروك». ماذا ستفعل النقابة؟ «عندما تفعل، سنُعلمكم بالأمر»، يقول النقيب بإيجاز.




20 ألف مستفيد من الصندوق الاستشفائي

يُقدّر عدد المحامين المُنتسبين إلى الصندوق بنحو 8 آلاف، فيما يبلغ عدد المُستفيدين الإجمالي الذي يضم المحامين وعائلاتهم والعاملين لديهم وغيرهم بنحو 20 ألف منتسب. ثمة تخوف جدي يبديه عدد من المحامين إزاء تحميلهم مسؤولية هذا العجز، خصوصاً أن عقد الشركة ينتهي الشهر المُقبل، ما يوحي بعدم إمكانية ملاحقتها أو تهديدها بعدم تجديد العقد كما تفعل بقية المؤسسات. في هذا الصدد، تُرجّح مصادر النقابة لجوء عدد من المحامين إلى القضاء لفتح تحقيق في الملف من أجل تجنيب المحامين دفع ثمن هذه الخسارة المالية.




كيف يتوزّع العجز؟

بحسب مصادر نقابة المُحامين، بلغ عجز العام التأميني 2015/2016 نحو مليونين ونصف مليون دولار، فيما سجّل عام 2016/2017 عجزاً جديداً بقيمة ستة ملايين دولار. كما أن على النقابة تسديد الكلفة الاستشفائية المترتبة لأشهر تشرين الثاني وكانون الأول وكانون الثاني وشباط وآذار (الكلفة الشهرية للفواتير الاستشفائية نحو مليونين ونصف مليون دولار)، ليفوق بذلك مجموع العجز المتراكم الـ20 مليون دولار.