بداية الكاتب أوليفييه روا هو رئيس مشارك في «مركز رُبرت شومَن للدراسات المتقدمة» وفي كلية العلوم الاجتماعية والسياسية في معهد الجامعة الأوروبية في مدينة فلورنسا. أصدر العديد من المؤلفات عن الإسلام منها «الإسلام المعولم: البحث عن الأمة الجديدة»، و«الجهل المقدس: عندما يفترق الدين عن الثقافة».... يعد الكاتب ــ في رأي البعض ـــ أحد أهم الخبراء في الإسلام السياسي، لكنه في الوقت نفسه رحالة مشهور، مما منحه امتيازاً كونه يختلط مادياً بالمجتمعات التي يتحدث عنها، إضافة إلى خبرته النظرية. فقد قضى سنوات عديدة في التنقل في أواسط آسيا، ووصل إلى أفغانستان حيث مكث بضع سنوات.
كتاب «البحث عن الشرق المفقود – مقابلة» ( In Search of the Lost Orient: An Interview ـــــ Columbia University Press. 2017)، أجراها الفرنسي جان- لوي شلِغل الصحافي في مجلة «اسبرِت» مع الكاتب الذي يروي فيها رحلاته العديدة وما واجهه فيها من أمور، إيجابية وسلبية، في أثناء بحثه عن البيئات السياسية والاجتماعية العديدة التي التقاها، وكيف أسهمت تلك اللقاءات في تشكيل فهمه للعالم الإسلامي وتاريخه الحديث.

لذلك، فوجب عد هذا المؤلف/ المقابلة، رواية شخصية وصريحة قادت المتحدث إلى التخلي عن رأيه السابق في أن الشرق «الرُمَنطِيقي» لم يتغير عبر القرون، وتشكل إطاراً جديداً لفهم أفضل يتناسق مع ثقافات الشرق والغرب ودياناتهما وسياساتهما.
تفاعُل روا مع مختلف جوانب المناطق التي زارها ومر بها، ومع أهلها، في وسط آسيا إبان العهد السوفييتي وبعده، قادته للقناعة بعدم صحة القول بوجود إسلام أساس (essentialized) وعدّ ذلك المدخل الرئيس للحديث في موضوع تخصصه.
يحوي المؤلف روايات عديدة عن تجارب مرّ بها في أثناء ترحاله من باريس إلى العاصمة الأفغانية كابول، ويتأمل من خلال ذلك في طبيعة الانهماك السياسي والإنساني في تلك الأقاليم. كما يتأمل في السنوات التي شكلت شخصيته وتعلمه وتطور آرائه السياسية والتزامه بها ضمن عوالم فرنسا الثقافية.
يعثر القارئ في هذا المؤلف على ممارسات روا الحياتية والقائمة على اندماج البحث الهادف، والمحددة خطوطه مسبقاً باللقاءات التي تتم مصادفة ومن دون إعداد مسبق. ويحسم بأن ذلك يجب أن يشكل أساس أي فهم للإسلام وتقاطعه مع السياسة. نجده يتفحص الإسلام وجوانب أخرى مرتبطة به في الأحيان ومنها الهجرة، إضافة إلى مستقبل الأديان والعلمانية والثقافات في عصر العولمة.
مساحة هذا المؤلف/ المقابلة واسعة تبدأ بانطلاق رحلة العالِم من باريس باتجاه العاصمة الأفغانية كابول يتحدث الكاتب فيها من منظور الحاضر، وهذا يشكل الجزء الأول من المؤلف الذي يحوي ستة أجزاء.
الجزء الثاني خصصه المؤلَّف لروايته عما أسماه ثورة عام 1968، أي الانتفاضة الطلابية في فرنسا التي كادت أن تطيح بالرئيس الفرنسي شارل ديغول. كما تحدث فيها عن تجاربه في تنقله من اليمن إلى الصين.
الجزء الثالث «العقد الأفغاني» مخصص للحديث في إقامة روا في أفغانستان، خصوصاً إبان مرحلة التواجد العسكري السوفييتي هناك، وما أسماه إخفاق الإسلام السياسي.
في الجزء الرابع «العقد الأوراسي»، أو «عقد وسط آسيا»، روى الكاتب تجاربه الجديدة و«الشرق المفقود والمستعاد».
ثقافة المنطقة هي موضوع القسم الخامس (نحو الجهل المقدس). كما يخصص فصلاً للحديث عن إيجابيات الاستشراق، وضد أصولية العِلمانيين (Secularists’ Essentialism)، وينهيه باستعراض عقد كامل من عام 2000 إلى عام 2010، متوقفاً عند تاريخ الحادي عشر من أيلول عام 2011.

رحلة أقنعته بعدم صحة القول بوجود «إسلام أساس»


عنوان الخاتمة «قصة ما بعدها قصة» يبدو لنا مأخوذاً من مؤلف لكاتب أميركي عنوانه «سلام ما بعده سلام».
ختاماً أنهى المتحدث كلامه برواية قصة تلخص جوهر المؤلف/ المقابلة. الأمر يتعلق بأحد علماء الأنثروبولوجيا الذي وصل إلى جزيرة في المحيط الهادي حيث ركز بحثه على حادث صغير يعكس «الحقيقة الكاملة»، انطلاقاً من القناعة بأن تحليلها سيكشف جوهر المجتمع بأكمله. الحادث هذا هو قيام شخص ما بقتل زوجه الصبية. هذه الجريمة تغطي مجموعة من الأمور منها العلاقات الأمومية والعلاقات بين الجنسين، والموقف من العنف في المجتمع والعنف الأسري، والسلطة والحقوق وما إلى ذلك، دوماً بحسب المؤلف. وعند قيام العالم الأنثروبولوجي بمتابعة المحاكمة، بدأت شبكة العلاقات الاجتماعية في تلك الجزيرة تتكشف له شيئاً فشيئاً. أي أن حادثاً صغيراً كشف المجتمع بتفاصيله، حوله العالم إلى مؤلف أثار اهتمام الجامعة التي منحته منصب أستاذ بسبب ذلك العمل. بعد ثلاث سنوات، يتسلم الكاتب رسالة من المتهم بجريمة القتل يقول فيها: «عزيزي البرفسور، قرأت مؤلفك الذي عثرت عليه في مكتبة السجن. لو أني فعلاً قتلت زوجتي فالسبب بسيط للغاية وهو أنها كانت تضاجع ساعي البريد».
أوليفييه روا يقول إنه عندما أراد البحث في هذه القصة مجدداً، لم يعثر فيها على النص ذي العلاقة، وينهي القسم الأخير باستعارة من مثل إيطالي يقول بما معناه بالعربية: إذا لم تكن حقيقية، فإنها اجتراع عظيم.