يواصل الجيش السوري أعماله العسكريّة على محاور متباعدة في غوطة دمشق الشرقيّة، من دون أن تُحدث «الهدنتان» أيّ تغيير في مسار الحدث حتى الآن. الهدنة التي دعا إليها مجلس الأمن الدولي على كامل الأراضي السورية بقيت حبراً على ورق ولم تجد طريقها بعد إلى التنفيذ، وحذت حذوها هدنة «الساعات الخمس» اليوميّة التي أعلنتها موسكو «تسهيلاً لخروج المدنيين».
وتكرّر أمس سيناريو اصطفاف الحافلات أمام معبر «مخيّم الوافدين» لليوم الثالث على التوالي، في مشهد بدا روتينيّاً وخاتمته متوقّعة. وفي ظل «الاستعصاء» الذي يشهده المسار الدبلوماسي، بدا أمس أن الملف على وشك اختبار جولة تصعيد سياسي جديدة عبر بوابة «مجلس حقوق الانسان» الأممي الذي تلقّى طلباً بريطانيّاً رسميّاً لـ«عقد اجتماع عاجل خلال أيام لبحث الوضع المتدهور في الغوطة الشرقية». وفي خضم السجال الأميركي الروسي المفتوح، تطرّقت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية، «البنتاغون»، إلى ملف الغوطة، متّهمةً موسكو بـ«إشعال النار في سوريا» و«مساعدة نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد على قتل مواطنيه»، كما طالبت بـ«الضغط لوقف الغارات على الغوطة». بدوره، أدلى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بتصريحات صحافيّة، عقب اجتماع لفريق العمل الدولي المعني بالوصول الانساني، ناشد عبره «كلا الجانبين وقف إطلاق النار والسماح لقوافل المساعدات بالوصول، خاصة في الغوطة الشرقية». وقال «سنستمر في مطالبة كلا الجانبين حتى آخر رمق بوقف قصف مناطق بعضهما البعض، وتمكين القوافل من الوصول إلى الغوطة الشرقية بشكل خاص»، مشيراً إلى وجود قصف متبادل «لا تمكن المقارنة من حيث النسبة، ولكن هناك قصف على كلا الجانبين».

تشهد صفوف «التركستاني»
انقساماً بين مؤيّد لمساندة «النصرة» ومعارض لذلك

ومن دون أي مؤشّر على فارق قد يُحدثه الكباش السياسي، يبدو الجيش السوري عازماً على استكمال أعماله العسكريّة التي زاوجت حتى الآن بين تكتيكي «القضم» و«الإنهاك». وعلاوة على تكثيف القصف الجوي، يوضح مسار العمليات العسكرية أنّ خطط الجيش تلحظ أهميّة فتح جبهات على محاور مختلفة، إضافة إلى تنفيذ هجمات متتابعة على كلّ من المحاور وانتهاز فرصة أي انهيار في صفوف المجموعات المسلّحة لبسط السيطرة ومن ثم الالتفات إلى تثبيتها. ورغم تأكيدات دمشق وموسكو المتتالية أنّ الغوطة مرشّحة لتكرار سيناريو أحياء شرق حلب، فإنّ فوارق كثيرة تحضر بين الحالتين، على رأسها واقع المجموعات المسلّحة في كلّ منهما، سواء من حيث التنظيم أو التسلّح أو عديد المسلّحين. ويعدّ «جيش الإسلام» أكبر مجموعات الغوطة، ويليه «فيلق الرحمن»، علاوة على حضور مؤثر لكلّ من «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلاميّة». وخلافاً لما كانت عليه الصورة في حلب من غياب للسيطرة «المركزيّة» في صفوف المجموعات في معظم الأحياء، تتوزع مجموعات الغوطة المسؤولية عن الجبهات، فيما أكّدت مصادر محليّة وجود مساعٍ لتشكيل «قيادة موحّدة» في الأيام القادمة. وبدا لافتاً أنّ التشكيل «الجهادي» الجديد الذي كشف عن نفسه قبل أيام تحت اسم «حراس الدين»، قد خصّ الغوطة بأول بيان «رسمي» صدر عنه. ويُعدّ التشكيل المذكور ذراعاً جديدة لـ«تنظيم القاعدة»، يضمّ في صفوفه عدداً من «القاعديين» المحسوبين على الجناح الأردني، علاوة على معظم المجموعات «القاعدية» التي قاطعت «جبهة النصرة». ورغم غياب «حرّاس الدين» عن الحضور الميداني في الغوطة، أكدت مصادر «الأخبار» وجود اتصالات نشطة بين قائد التشكيل الجديد أبو الهمام السوري وبعض قادة «النصرة» في الغوطة، في مسعى لاستقطاب «بيعة» منهم، الأمر الذي لا يبدو حصوله سهلاً بسبب ما يمكن أن يستجلبه من تعقيدات لمجموعات الغوطة. وحتى الآن، لم يُسجّل للتشكيل الوليد أي نشاط ميداني في إدلب التي تعدّ معقله الوحيد. ومن المرجّح أنهّ سينتظر انجلاء صورة الاقتتال بين كلّ من «جبهة النصرة» و«جبهة تحرير سوريا» قبل الإقدام على أي خطوة. وشهدت معارك «الجبهتين» أمس تحولاً بارزاً تمثّل في استعادة «النصرة» توازنها على غير محور. وأفلح مسلّحو الجولاني في السيطرة على مدينة معرة مصرين في ريف إدلب الشمالي، إضافة إلى عدد من القرى والبلدات مثل رام حمدان وكفر يحمول، وترمانين، وتلعادة، ودير حسان، وقاح، وأطمة (الاستراتيجية). وجاء تقدّم «النصرة» بفضل دخول «الحزب الإسلامي التركستاني» المعركة إلى جانبها، علاوة على «تواطؤ فيلق الشام معها»، وفقاً لما أكدته مصادر «جهاديّة». وعلمت «الأخبار» أنّ دخول «التركستاني» المعركة جاء من دون صدور «قرار شرعي» حاسم (حتى الآن). ووفقاً لمصادر «الأخبار»، تشهد صفوف «التركستاني» انقساماً (هو الأوّل من نوعه منذ دخوله المشهد السوري) بين مؤيد لمساندة «النصرة» ومعارض لأي تدخل في «الفتنة». وإذا ما استمرّ الانقسام على هذه الصورة، يبدو محتملاً أن تمهّد أحداث إدلب لتحوّلات تطاول بنية «الحزب الإسلامي» وتجعلها مرشحّة للتفكّك. في الوقت نفسه، يأتي وقوف «فيلق الشام» إلى جانب «النصرة» (من دون إعلان رسمي) ليمهّد لفرزٍ في اصطفافات بعض القوى وتبعياتها الإقليميّة. ويرتبط «الفيلق» بشكل وثيق بالدوحة، لكنّه في الوقت نفسه يحظى بدعم تركي كبير على خلفيّة انتمائه «الإخواني». رغم ذلك، يأتي وقوف «الفيلق» إلى جانب «النصرة» مخالفاً للمصالح التركيّة التي صبّت أيام المعارك الأولى في خانتها وأسهمت في طرد «النصرة» من محيط كل «نقاط المراقبة» التركيّة. وبدا لافتاً ما أكدته مصادر «جهادية» (معادية لـ«النصرة») عن وجود «دعم أميركي خفيّ للنصرة». وتجلى الدعم عبر «تواطؤ مجموعات محسوبة على الأميركان، وخاصة جيش إدلب الحر، مع النصرة، وإمدادها بالسلاح والذخائر خفيةً»، وفقاً للمصادر نفسها.