استسلمت آلِم آشِسا. هناك في دير الصليب قتلت نفسها. استسلمت تماماً لما يُراد أن يكون «قدر» العاملات هنا. الأمل في نجاتها كان مبالغاً فيه. كانت «الجديّة» التي طرحت فيها قصتها خاوية من الاستدراك الفعلي. خلال شهرين في لبنان، تلقت من الإهانات ما قد يتلقاه آخرون في أعوامٍ طويلة. قالوا إنها مجنونة لأنها لم تألف بيئة البلد العنصري. سحلوها على قارعة الطريق، وكان ممكناً للمشاهد أن يسمع أنين عظامها على الشاشة. وبعد الفيديو المشين، أخذوها إلى مستشفى الأمراض العقليّة، في خطوةٍ بدت للكثيرين أنها بداية «التنصّل» من مساءلة الفاعلين.
يقول صاحب مكتب الاستقدام، شادي محفوظ، إن ثمة تقريراً طبياً يؤكد وجود «كهرباء في رأسها». يقول أيضاً إن الأمن العام رفض سفرها، وإن الدرك رفضوا تسلّمها. حتى السفارة الإثيوبيّة أعلنت أن لا علاقة لها بالموضوع. أوصدوا كل الأبواب في وجهها، وسجنوها في دير الصليب حيث قتلت نفسها. لم تعلن موتها بصخب، وعلى الأرجح، ستكتفي بصمت القتلة المجهولين.
في المرة الأولى أعادوها من المطار. تذكرة سفرها ما زالت صالحة للاستعمال لكن آلِم نفسها انتهت. وبعد «جهد جهيد» قبِل الأمن العام بتسلّمها، مشترطاً على المكتب «تحمل تكاليف علاجها كاملة». لو لم يقبل المكتب، لكانت العاملة الضعيفة استسلمت قبل أمس بكثير. انتقالها إلى الأمن العام لم ينجِّها ولم يكن الأخير على مستوى «الأمانة»، إذ سلّمها إلى مؤسسة «كاريتاس»، التي نقلتها إلى دير الصليب. يؤكد وزير العدل، شكيب قرطباوي، أن النيّابة العامة أرسلت «وفداً للتحقيق هناك في دير الصليب، وأنه عاينها منذ 3 أيام، ووضع تقريراً عن حالتها». يستفيض الوزير، شارحاً أنهم في الوزارة أحضروا «دبلوماسيّاً من القنصليّة ليدّعي على أحد ما في قضية الفيديو، لأن الحق العام لا يتحرّك في مثل هذه الأمور». لكن مسرحيّة الادعاء انتهت هذا الصباح. فعلى ذمة الوزير، حين كان المدعي يهمّ بادعائه في مخفر أنطلياس، جاء خبر موتها إلى المخفر «فغادر المدعي فوراً إلى المستشفى». لا أحد يعرف بعد كيف فاته أن يدّعي، وكيف وصل الخبر بهذه السرعة القياسيّة إلى هذا المخفر بالذات. حتى الوزير نفسه لا يعرف. يعرف أنه «ليس هناك حق عام ويجب أن يكون هناك ادعاء». لكن، فليصدّق الشعب: «ستتابع التحقيقات». في أية حال، يخالفه وزير العمل، سليم جريصاتي. أهم ما يتبنّاه الوزير، والمتابع القانوني، أن «الحق العام تحرّك ولا يمكن إغفاله». وهذا يناقض «نظرية» قرطباوي تماماً، ويطرح سؤالاً جديّاً آخر، عن جدوى قدوم الدبلوماسي «الشبح» إلى المخفر، ورحيله بسرعة من دون ادعاء. واستطراداً، يستلزم التناقض بين رجلي القانون سؤالاً آخر: أين التنسيق؟ «التنسيق موجود»، يجزم جريصاتي.
على الشعب أن يصدّق «دولة» أؤتمنت على عاملة، فماتت هذه بعد أيام. ليس من حلّ آخر الآن. الشعب والدولة متورطان بسمعتيهما. ماتت آلِم أشِسا عن 34 عاماً، بعد شهرين على وجودها في لبنان فقط. في نهاية المطاف، توزيع المسؤوليات من صلاحيّة القضاء، على أمل أن تكمل النيابة العامة تحركها، قبل أن تستسلم بقية العاملات لهذا الجحيم. وفي هذا الإطار، تقذف زميلة لآلِم غضبها في وجه الجميع: الأمن العام مسؤول لأنه لم يتابع تفاصيل حياتها في منفى دير الصليب. قوى الأمن الداخلي مسؤولة لأنها لم تحمها من الضرب على قارعة الطريق. وزارة العمل مسؤولة لأن تحرّكها كان فارغاً من مضمون الحماية، واقتصر على تأليف البكائيات. وزارة العدل مسؤولة عن البطء. المؤسسة الإعلاميّة التي بثت التقرير «غير إنسانيّة»، كما أنها مسؤولة لأنها أجلت التقرير 13 يوماً، لتبثّه بمناسبة «يوم المرأة العالمي». أرادته بمثابة «سكوب». لكن «السكوب» الحقيقي حدث أمس. اكتشف اللبنانيون سمعتهم مجدداً. لا مسؤول واحداً يُسأل ماذا فعل بالعاملة. رغم وجود قتيلة يجب أن تتغير حياة المسؤولين عن موتها. يجب ألا تعود حياتهم كما كانت. لقد قتلوا عاملة.
15 تعليق
التعليقات
-
انتحرت؟قتلت؟ توفيت؟ او انتحرت؟ النتيجة واحدة؟ بعض ابناء وطني عنصرين اكثر من النازيين. اتت لتعمل ١٨ ساعة يومياَ من اجل عئلتها, وائذ بها تتبهدل وتنام في المطبخ, ابناء وطني هم عنصريين. السوئال لماذا تريد السيدة اللبنانية عاملة منزل؟ لأنه لاتريد ان تقوم بواجتها المنزلية اتجاه عائلتها. تريد ان تبقى خارج المنزل وتعود في المساء. ومن يريد ان يقول انها تعمل مثل زوجها فهذا عزر اكبر من ذنب, لأن في اوروبا يعمل الزوجان ويوعدون في المساء ليتقاسمو الأعمال المنزلية, فى يا سيدتي تعاوني مع زوجك وا أولادك لكي تنامي مرتاحت الضمير وان لا يكون في دمتك عاملة قد انتحرت من وراء عنصريتك وتعجرفك.
-
بموضوعية هذه المرةنعم هناك عنصرية في لبنان، كما في أي بلد آخر ربما. لكن وفق ما شاهدته من الشريط وما تحدث به صاحب الوكالة على برنامج للنشر (وأنا لا معرفة لي بأي طرف في النزاع) فإنه لم يتم ضرب المتوفاة، بل كان هناك محاولة لإجبارها على دخول السيارة (ربما تم ذلك بقسوة لكن ماذا تفعل عندما يرفض الشخص الذهاب معك "بالمنيح"؟؟ ستُجبر على إجباره. يعني مثلاً لو طلب منك شرطي الانبطاح على الأرض ولم تفعل، ماذا سيفعل هو؟؟ سيبطحك على الأرض بالقوة والعنف وربما سيستخدم الهراوة، ساعتها هل يلام الشرطي على فعلته؟؟ واضح أن المسكينة كانت تعاني مشاكل كثيرة، فلا هي أرادت العمل لدى الوكالة ولا العودة إلى بلادها... أعتقد هنا أن الوكالة التي جلبتها لها الحق في إعادتها لأنها هي من استصدر لها تأشيرة إقامتها.. مع الأسف الشديد لانتهاء الأمر بهذه الطريقة، لكن من الواضح أن العاملة لم تكن صريحة مع رب عملها.
-
هذه الجرائم الفظيعهان كلبناني مهاجر اطالب الدوله بوضع حد لهذه الجرائم الفظيعه التي وصلت اخبارها الى كل العالم هل الحكومه متواطئه ? يحق للعامل 8 ساعات يوميا ويومين عطله في الاسبوع هل يطبق احد هذا القانون ? اطالب الدوله بمحاكمه كل المجرمين الذين يعذبون هؤلاء العاملات المسكين وان لم تفعل فهي مشاركه في الجريمه.
-
كان اسمها الم امراه من عمق المعاناهاهلا بكم اخوتي في لبنان رغم انني صديق لكثير من اللبنانيين الاصيليين في المعشر والثقافه والاصاله الا انني الاحظ وجود كثير من العنصريه التي تغطي علي السطح عبر الكلمات الواضحه الصريحه وتفسيرها هناك ظروف قاهره واستثنائيه لوجود الجنسيات الاخري ببلادكم وهي نتاج سمعه بلادكم التي كانت تسبق الرياح في طيبه اللبنانيين وتفهمهم للاخرين ولكن ماذا حل بيكم ياشعب الثقافه والديمقراطيه المتاصله في عمق الارض عندكم ماذا حل بكم يالبنان فقد كانت قبله العرب اما الان فهي تشكل خطر لزوارها اللاجئين لاسباب انسانيه او اسباب التفتيش عن الامن والامان لا تغضبوا مني ايها اللبنانيين فنحن ابناء السودان نحبكم ولا ندري ماهي اسباب هذا الحب فقد وجدناه عندنا عميقا ومتجزرا عاملوا ضيوفكم باكثر انسانيه فنحن لا نفرق في بلادنا بين العامل والسيد كما يقال لفظاً الاثيوبيين اصحاب نفوس صادقه وشعب طيب
-
آكلي لحوم البشرلولا اشراف الصحافة يا احمد... تحليلك واضاءتك لهذه القضية لا بدمنها يا استاذاحمد .عندما يتعلق الموضوع بعامل او عاملة ومهما كانت القضية خطيرة تجد برودة لا مثيل لها من قبل الدولة والاجهزةالخاصة والجمعيات المدنية لا احد يهتم حتى تقع الكارثة سواء كان العامل اجنبيا ام مواطنا عاديا لا احد يهتم الا القليل من شرفاء الصحافةومن يسمعونهم من الكادحين و الفقراء من هذا الوطن اللي قلبن عليه .بعدان اصبح وطن المجانين والياءسين والعاطلين عن العمل وطن من يملكون الطواءف والوظاءف وطن التجار تجار اللحوم الفاسدة وآكلي لحوم البشر والحجر. المهم نعرف نحن كمواطنين كيف نتكيف مع بعضنا البعض لديمومة حياتنا باقل خساءر ممكنة وبافضل علاقاة مجتمعية لتطوير او تغيير هذا النظام الطاءفي البغيض الذي جعل من كل مواطن منا اميرا على ما يملك ومشروع حرب على اخوته وخادميه المواطنين ان لم نفعل هذا او نرضي رب عملنا باللتي هي.. فنحن كلنا آلم آشسا.
-
رد على السيدة منى فوازلمن المؤسف يا سيدة فواز أن تعتقدين أن العاملات الأجنبيات قد أتين للنزهة ربما لاتدرين كم يدفعون لسمسار في بلدهم كي يحصلون على فرصة عمل في "بلاد الأرز" وكم يلزمهم من العمل ليسدوا هذا الدّين لمن سلّفهم في بلدهم, فمن الطبيعي ان ترفض العودة بعد قدومها بشهرين. لكن العنصريةوالمصالح والمنفعة متفشية في مؤسساتنا وحتى في سفارتهم. أمن عام تقاعس وسفارة تخلّت ومكتب إستقدام رفع يده عن تحمّل المسؤولية. المشكلة بنفوسنا نحن اللبنانيين . الفينيقيين ماتوا وانقرضوا وما زلنا نظن نفسنا اننا فينيقيين اكتشفنا الأبجدية والصباغ الأرجواني وما بعرف شو كمان.
-
موتها صادم...لماذا ماتت ولا أعتراض على مشيئة الله؟ ألم يعرف من قاموا برعايتها في الآونة الأخيرة أنّها ستحاول الانتحار ألف مرّة؟ أين كانوا منها لحظة أنهت حياتها؟ ألا يعرفون أنّها مريضة وأنّ كلّ من عرفها ورآها في الآونة الأخيرة موقن بأنّها اتّخذت قراراً بقتل نفسها وتنتظر الظروف؟ من أمّن لها هذه الظّروف أو سمح لها بتأمينها؟؟ هذا هو السّؤال.. فأنا لا ألوم هذه المرأة على شيء سوى أنّها حضرت إلى بلد العنصريّة لبنان.. حيث الحياة رخيصة إلى حدّ لايتوقّعه أحد..وحيث تُمارس العنصريّة بأبشع صورها لا ضدّ الغرباء والمستضعفين فحسب، بل ضدّ كلّ فقير ومسكين ولاحول له ولاقوّة..والمستشفيات والدّواء خير شاهد..
-
الله يرحمهاهناك عاملات يحضرن وهم يعتقدن أن العمل نزهة ولكن يكتشفن أن العمل صعب ومرهق وهو لهذا تم استقدامها للعمل وليس للنزهة ، خاصة إذا رأين أن هناك كثيرات من الإثيوبيات يعملن بوظائف أخرى غير خدمة المنازل ، فربما كانت تمني نفسها بأنها لو رفضت العمل فسيتم تسريحها وعندها يمكنها أن تعمل بالمجال الذي تريده ، ولكن خاب ظنها وتبين أنها إما تعمل عاملة أو يتم تسفيرها وهي ما حاولت رفضه عندما رفضت السفر ، اعتقدت أنها بذلك تفرض رأيها على المكتب وسوف يسرحها ليرتاح منها . ولو انه تم تسفيرها وإبعادها عن لبنان لكنا استطعنا إنقاذها وعدم قتل نفسها خاصة أنها يبدو جليا أنها كانت تعاني من احباطات واكتئابات أدت لهذه النهاية المؤسفة ، والذي أدى لهذا الأمر أيضا وجود ذلك القانون الذي يسمح للخادمة برفض السفر ، وهو ما تفاجئنا بسماعه على الشاشة في برنامج للنشر ، فإن كان الكفيل لا يريدها لماذا يوجد ذلك القانون الذي يفرض عليه الاحتفاظ بها ، أم أن القانون يريد أن تسرح وتمرح بالشوارع براحتها . على القيمين أن يراجعوا هذا القانون ويتم تعديله لان الأمر سيتكرر أن بقي هكذا قانون. يؤسفنا ما وصل إليه الأمر ويؤسفنا إزهاق روح كان من الممكن أن نتفاداه ولكن قدر الله وما شاء فعل.