لا يختلف واقع مخيّم «الجليل» في بعلبك عن باقي مخيّمات اللجوء الفلسطيني في لبنان. فهو يعاني أيضاً من المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية. لكنه يتميز عنها بارتفاع معدل البطالة وبازدياد لافت في نسبة الهجرة إلى الدول الإسكندنافية
بعلبك ـــ رامح حمية
واحد وستون عاماً مرّت على وجود اللاجئين الفلسطينيين في مخيّم «الجليل» في بعلبك، والحال لم تتغيّر. مرض وإهمال وفقر ترافق يوميات أربعة آلاف لاجئ. لا تكاد تختلف هذه الحال على قسوتها عما هي في سائر مخيمات اللجوء. لكن ما «يميّز» الجليل هو أن «الخنقة بعدها متل يوم اللي إجينا، محبوسين مش متل غيرنا من المخيمات اللي توسّعت شوي». يقول أحمد عطواني (84 عاماً) هذه الكلمات، مسترجعاً ذكريات رحلة التهجير الأولى من فلسطين «التي لم تنته إلى الآن». هذه الرحلة التي بدأت عام 1948 بالخروج من أرض الجليل إلى مخيّم الجليل الذي وصل إليه شاباً ابن ثلاثة وعشرين عاماً. حينها، وصل اللاجئون، وكان عددهم 3500، إلى بعلبك. لم يجدوا مكاناً يلجأون إليه سوى ثكنة عسكريّة كان يشغلها الجيش الفرنسي إبّان عهد الانتداب ولا تتعدى مساحتها 43 ألف متر مربّع. قسّموا عنابر الجنود إلى غرفٍ صغيرة بقطع من «الخيش» والحرامات بغية تأمين السكن لجميع للعائلات الوافدة. مرّت السنوات وباتت الثكنة مكاناً للسكن الدائم، وتحول اسم المخيّم من الجليل إلى «ويفل»، وهو اسم الجنرال الفرنسي الذي كان حينها قائداً للثكنة. إذاً، بات على اللاجئين تدبير شؤون حياتهم المعيشيّة بأنفسهم في سكنهم الجديد. وفي هذا الإطار، يشير عطواني إلى «أن أمور المعيشة كنا نتدبرها من خلال مساعدة المزارعين البقاعيين في القطاف وجني المحاصيل إضافة إلى العتالة في ورش البناء التي كانت تجري في المنطقة». قساوة الواقع دفعت باللاجئين الشباب إلى البحث عن فرص عمل خارج المخيّم والمدينة أيضاً، فكانت الهجرة. ويؤكّد عطواني أنه بعد سنوات من الاستقرار في بعلبك سافر عدد كبير من شباب المخيم إلى الخارج، وخصوصاً الدنمارك والسويد.
جولة داخل أزقة و«براكسات» مخيم الجليل تدرك من خلالها مدى الضيق الذي يعيشه الأهالي والذي أشار إليه عطواني، بسبب ازدياد عدد السكان بنسبة كبيرة. ويترافق هذا التضخم السكاني مع عدم قدرة المخيّم على استيعاب غرف إضافية بداخله، الأمر الذي دفع العائلات في المخيم التي يزيد عدد أفرادها على الخمسة إلى إضافة «سدّة» في الغرفة المخصّصة لهم وهي عبارة عن «سقيفة أو ما يسمى العلّية»، فيما اضطر قسم آخر ممن لم يجد مكاناً يؤويه داخل المخيّم، للخروج واستئجار الشقق في مدينة بعلبك على أطراف المخيّم. وقد بلغ عدد هؤلاء الآن حوالى 3500 نسمة.
سرقت غرفة العمليات من مركز الهلال منذ 15 سنة ولم يتأمّن البديل
أما الوضع المعيشي فحدّث ولا حرج، فقد أكد أمين سر اللجنة الشعبية الفلسطينية في مخيم الجليل كرم طه لـ«الأخبار» أن «الوضع المعيشي للناس في المخيّم صعب جداً، وهو صورة مصغرة عن اللاجئ أينما وجد في لبنان». وأشار إلى أن «حرمان الفلسطيني من مزاولة عددٍ لا بأس به من المهن دفع غالبية أبناء المخيم للهجرة، ومن لم يستطع ذلك بقي لقمة سائغة للبطالة التي وصلت نسبتها إلى 90%». يشرح أكثر، فيضيف: «الفلسطيني غير مسموح له بممارسة مهنة المحاماة أو الهندسة في لبنان أو حتى زبال في بلدية بعلبك»، متسائلاً «لماذا في سوريا يسمح لهم بممارسة كل المهن وحتى دخول الجيش، باستثناء الانتخاب والجنسية حتى لا نفقد هويتنا كفلسطينين». وما يزيد الطين بلّة خدمات وكالة «الأونروا». وفي هذا الإطار، يلفت طه إلى «أن الخدمات المقدمة من الأونروا متدنيّة، إضافة إلى انخفاض في النوعية». ويقول «كانوا يجيبوا إعاشات للجميع، اليوم صارت فقط لأصحاب الحالات الخاصة (الفقر المدقع)، وحتى ما عاد يجي فيها لا طحين ولا زيت وحتى برميل المازوت لفصل الشتي صار 50 ألف ليرة فقط بعدما كان يفوق 100 ألف».
ليس الوضع الصحّي أفضل حالاً من المعيشي، فالهلال الأحمر الفلسطيني لا يستوعب جميع الأطباء ولا يستطيع بالتالي تقديم خدمات كثيرة نظراً لضآلة موازنته. ويوضح طه أن الهلال الأحمر «ضعيف جداً، دوا ما في ولا غرفة عمليات»، مشيراً إلى أنه «منذ 15 سنة سرقت غرفة العمليات تحت جنح الظلام ولم يتأمن البديل». والأونروا؟ يشير طه إلى أن «الأونروا أقامت عيادتين، إحداهما لطب الأسنان والأخرى للصحة العامة، إضافة إلى صيدلية واحدة. كذلك تعاقدت مع مستشفى الططري في بعلبك بمعدل 60 سريراً شهرياً، و10 أسرّة شهرياً في مستشفى دار الأمل في المدينة أيضاً». أما الحالات الحرجة التي تتطلب عناية، «فيتحوَّل إلى دار الأمل فقط، وتساهم الإنروا بدفع مبلغ 400 دولار حداً أقصى، فيما يدفع الفلسطيني فروق العلاج». يبدو الواقع التربوي أقل مأساويّة مما هو عليه في باقي المخيّمات، إذ يتميّز بارتفاع عدد حملة الشهادات الجامعيّة. أما الأمية، فلا تكاد تكون شيئاً، وقد قدّرتها مؤسسة «شاهد» لحقوق الإنسان في دراسة أجرتها منذ بضع سنوات بـ11% فقط. لكن مع ذلك، ترتفع نسبة البطالة حتى تكاد تكون الأعلى بين جميع المخيّمات.
لا يطلب اللاجئون في مخيّم الجليل الكثير. فهم لا يريدون مزاولة المهن الممنوعين عنها بموجب القانون اللبناني، وكل ما يتمنّونه فقط «العيش بكرامة كأي مواطن آخر يسكن هذا البلد». يقول العجوز الثمانيني أمنيته، ويتساءل «ألا تليق بنا الكرامة؟».


رفض مصدر مسؤول في «الأونروا» في المخيّم (تحفظ عن ذكر اسمه) كل «الادّعاءات عن الوكالة». وأكد أنه «لا تراجع في مستوى الخدمات التي تقدمها الأونروا ولكن هناك تقدم في نوعية الخدمة على حساب الكمية». أما بالنسبة إلى الواقع الصحي، «فليس للأونروا قدرة على تغطية نفقات الأمراض المستعصية لأن هذه الحالات ترفضها حتى شركات التأمين». كذلك أشار إلى أن الأونروا متعاقدة مع مستشفى الحريري في بيروت، إضافة إلى الططري ودار الأمل في بعلبك. أما لجهة معالجة مشكلة البطالة، فقد أكد المصدر أنه ستُفتتح قريباً مراكز لتأهيل العاطلين من العمل