سباق مع الوقت يخوضه «التجمع للحفاظ على التراث اللبناني» من اجل الحفاظ على ما تبقى من الموقع الفينيقي في العقار 1398 الذي دمرته جرافات شركة «فينوس» العقارية، بعد ان رفعه وزير الثقافة غابي ليّون عن لائحة الجرد العام بموافقة المشرف على اعمال الحفر في المديرية العامة للآثار اسعد سيف. فبعد الدعوى الاولى التي تقدم بها التجمع بطلب وقف اعمال الجرف امام قاضي العجلة نديم زوين، بادرت وكيلة التجمع المحامية كارلا شرفان الى رفع دعوى ثانية امام قاضية العجلة زلفا الحسن من اجل منع نقل الردميات من الموقع. وبالفعل اصدرت القاضية الحسن قراراً في 28 حزيران الماضي طلبت فيه منع نقل الردميات من الموقع، وحددت غرامة اكراهية قدرها 500 مليون ليرة لبنانية في حال المخالفة، وكلفت لجنة خبراء مؤلفة من معين نجم الدين وجوزيان حداد وعلي الديراني لمعاينة الموقع ووصفه، وبيان وجود آثار فيه ومدى حصول اضرار وتبيان امكانية اعادة الحال الى ما كانت عليه، وحددت يوم أمس موعداً لانتقال الخبراء الى الموقع ومعاينته. لم يستطع الخبراء الذين انتظروا قرابة ساعتين امام مدخل الموقع، اتمام مهمتهم، علماً ان مدخل الموقع كان مفتوحاً في البداية ويتواجد فيه عمال ومهندس، لكن سرعان ما اغلق الباب وغادر المهندس واختفى العمال بعد ان أوصدوا الباب بسلاسل معدنية. حينها بادر الخبراء الى الاتصال بمحامي الشركة وأخطروه بالامر، قبل ان ينظموا محضراً بما حصل رفع الى القاضية الحسن. كذلك قرر الخبراء الحضور اليوم عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر ومحاولة الدخول مجدداً.
في المقابل علمت «الأخبار» ان ضغوطاً عديدة تمارس على القاضي نديم زوين من اجل بت الدعوى الأولى والسماح لشركة «فينوس» باتمام اعمال هدم الموقع. علماً ان وكيلة التجمع اللبناني للحفاظ على التراث سلمت القاضي زوين مجموعة من المستندات الجديدة، في حين اكتفت وزارة الثقافة بتبليغ القاضي ان الموقع لا يمثل اهمية تاريخية تجعله من المواقع المطلوب المحافظة عليها. وقد امهل القاضي وكيلة التجمع 24 ساعة للاجابة على الكتب التي تقدم بها وكيل الجهة المدعى عليها ووزارة الثقافة.




جديد هذا الملف ايضاً استقالة الآثاري هشام الصايغ الذي اشرف على اعمال الحفر في الموقع. وذكر الصايغ في كتاب استقالته «لم اعد اقوى على ان اكون شاهداً اخرس في المديرية العامة للآثار على تدمير آثار وطني». علماً ان الوزير ليون كان قد استبق استقالة الصايغ، قبل ثلاثة اشهر، برفض تجديد عقده اسوة بزملائه، لكنه ابقى الملف في مكتبه، ولم يطلب من محتسب الوزارة وقف دفع رواتبه تحسباً للطعن بالقرار امام القضاء. ويلاحظ ان مكتب الوزير ليّون لم يجد طريقة للرد على استقالة الصايغ إلا من خلال التشهير به والقول انه «يفتقر الى الخبرة» وان التأريخ والاستنتاجات التي توصل اليها مجرد «حلم او وهم».
ويتبين من وثائق حصلت عليها «الأخبار» ان محاولة تسويق هدم الموقع وتبريره من خلال الطعن بجدية الآثاري الصايغ ومهنيته تفتقر الى أي دليل. بل على العكس فان الآثاري اسعد سيف المشرف على اعمال الحفر في بيروت كان قد تقدم بكتاب خطي يحمل الرقم 1847 بتاريخ 11 نيسان 2011 الى الوزير سليم وردة اكد فيه «فرادة» المكتشفات في العقار 1398 و«اهميتها التاريخية والعلمية»، وخلص الى القول «ان هذه المكتشفات مهمة مما يحتم المحافظة عليها وعلى كامل الحوز الصخري المحيط بها»، الامر الذي يدحض ايضاً محاولات ليّون التقليل من كمية ونوعية التقارير العلمية التي وردت اليه من خبراء لبنانيين واجانب تطالبه بالمحافظة على الموقع في مكانه.
ومن المعلوم ان الآثاري الهولندي هانز كورفرز الذي يستند إليه ليّون لتبرير رفع الموقع، يكتب تقارير «غب الطلب» للشركات العقارية التي تكلفه اجراء دراسات، وهو المسؤول، بالتكافل والتضامن مع شركة سوليدير، عن جرف جميع المواقع الاثرية التي اشرف على حفرها في بيروت! ومن الملاحظ ان الجدل العلمي حول الموقع احتدم بين فريق يقلل من اهميته ويرفض تصنيفه بأنه منشأة بحرية فينيقية، ويتألف من: البير نقاش، سمير الشامي،حسان سركيس، هانز كورفرز، رالف بدرسون، وابراهيم نور الدين. وبين فريق آخر يؤكد على اهمية المحافظة على الموقع ويجزم بأنه يعود الى الحقبة الفينيقية ويتألف من: هشام الصايغ، مارتين فرنسيس الوش، جنين عبد المسيح، انيس شعيا، إيريك غوتفالز، وآنا ماريا بوسيلا، ودعم برسائل تأييد من: دايفد بلاكمان، جان ايف اومبرور، كاليوبي بايكا، ومارغريت يون.



لكن المفارقة ان اياً من الفريقين لم يجرؤ على المجاهرة بموافقته على تدمير الموقع بالطريقة التي حصلت في 26 حزيران الماضي، حتى ان البير نقاش عضو اللجنة التي شكلها ليون، قال في تصريح صحافي سابق انه يرفض ان يتم رفع الموقع عن لائحة الجرد العام «حتى لا نفتح صندوق بندورا»، وطالب الشركة بتقديم مقترح لدمجه ضمن البناء!
والسؤال الابرز الذي لم يجب عنه الوزير ليون، رغم اطلالاته المتكررة: لماذا تراجع عن تبني اقتراح شركة «فينوس» تفكيك الموقع واعادة دمجه، وهو اقتراح دافع ليّون وفريقه بشراسة عن صوابيته في موقع سباق الخيل الروماني؟
والجواب هو ان شركة «فينوس»، وبعد ان علمت بقرار مجلس شورى الدولة وقف تنفيذ قرار دمج الاثار ضمن الموقع الروماني، غيّرت في خطتها وقررت تدمير الموقع في غمرة النقاش العلمي حول اهميته التاريخية، مستفيدة من قرار الوزير رفع الموقع عن لائحة الجرد العام، ومن دون تجديد رخص الحفر ومباشرة الاعمال من قبل محافظ بيروت، مع الاشارة الى انها ابلغت غالبية القوى السياسية في 8 و 14 آذار نيتها جرف الموقع قبل 3 ايام من قرار الوزير ليّون!