أثار قرار مكتب حماية الآداب في قوى الأمن الداخلي إخضاع 36 شخصاً للفحوصات الشرجية لإثبات المثلية الجنسية، جملة من الانتقادات من قبل جمعيات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب ورهاب المثلية وتعزيز استقلالية القضاء.
في حين تلقى مجتمع الـ«م.م.م.م» الخبر بصدمة كبيرة كونها المرة الأولى التي تجرى فيها هذه الفحوصات لعدد كبير من الأشخاص في المخافر. وترمز عبارة «م.م.م.م» الى المثليين والمثليات والثنائيين والثنائيات والمتحولين والمتحولات جنسياً في لبنان.
وزير العدل، شكيب قرطباوي، أكد في اتصال مع «الأخبار» أنه «سبق أن أرسل الى النيابة العامة قبل شهرين كتاباً يتمنى فيه التوقف عن إجازة إجراء الفحوصات الشرجية بشكل عشوائي، وذلك بعدما أثيرت هذه المسألة من قبل الجمعيات الحقوقية». وأعلن قرطباوي أنه على ضوء ما نقلته وسائل الإعلام حول إخضاع موقوفي سينما بلازا لهذه الفحوصات، «طلبت من النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي سمير حمود فتح تحقيق ومعرفة تفاصيل وملابسات ما جرى». وحول مسألة إلغاء المادة 534 عقوبات التي تجرّم «المجامعة خلافاً للطبيعة»، لفت قرطباوي الى «أن تعديل قانون العقوبات أمر مطروح، لكن لجنة الإدارة والعدل البرلمانية تعكف حالياً على دراسة تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتتابع الوزارة من خلال مندوب لها هذه الورشة التشريعية الهامة والتي تشكل أولوية في المرحلة الحالية». وكانت جمعية «المفكرة القانونية» قد نظمت في 23 أيار 2012 ندوة حوارية حول «فحوصات العار» (فحوصات المثلية وفحوصات العذرية) أثبتت خلالها بشهادات من أطباء شرعيين ومحامين أن هذه الفحوصات غير مجدية طبياً، عدا عن كونها مخالفة لحقوق الإنسان، وهي ترقى الى التعذيب والممارسات الحاطة من الكرامة الإنسانية، وخلصت الندوة الى مطالبة وزير العدل بوقف إجازة هذه الفحوصات من قبل النيابة العامة.
وأمس، أرسلت «المفكرة القانونية» كتاباً إلى وزارة العدل طلبت فيه إصدار تعميم فوري الى النيابات العامة في مختلف المناطق اللبنانية إيذاناً بوضع حدّ لفحص الشرج، كما ستعمد الجمعية الى رفع كتاب آخر اليوم إلى نقابة الأطباء في بيروت تطلب فيه أن تصدر النقابة تعميماً الى الأطباء الشرعيين بالامتناع عن إجراء هذه الفحوصات المهينة.
المدير التنفيذي لجمعية «حلم» (حماية لبنانية للمثليين)، شربل ميدع، أكد في اتصال مع «الأخبار» أن وكيل الجمعية القانوني المحامي نزار صاغية سيدافع عن ثلاثة من الموقوفين على خلفية مداهمة سينما بلازا. وأضاف: «لا نعرف عدد الذين لا يزالون موقوفين، لكن ثلاثة منهم وافقوا على أن تتولى الجمعية الدفاع عنهم». وحمّل ميدع قناة «ام تي في» المسؤولية المعنوية في مأساة ضحايا الفحوصات الشرجية والذين سيعانون من آثار نفسية سلبية لسنوات.
وأعلن ميدع أن «حلم» بصدد إطلاق بيان بعنوان «قناة الـ«أم تي في» تحرّض على الكراهية والعنصرية»، على أن يتم توقيعه من قبل نشطاء المجتمع المدني وإعلاميين ومثقفين. ويهاجم البيان الإعلامي جو معلوف الذي يقدم برنامج «انت حر» على شاشة «أم تي في» ويتهمه «بممارسة أبشع أشكال التشهير (بحق المثليين)، بما ينم إما عن نيّة متعمدة بالإيذاء، أو عن جهل بلغ حدّاً يتسبّب عنده بالإيذاء».
معلوف قال في اتصال مع «الأخبار» من إسبانيا إنه موجود خارج لبنان منذ أسابيع، ونفى اتهامه بأنه كان وراء قيام شرطة الآداب بمداهمة سينما بلازا في برج حمود، معلناً أنه يحتفظ بحقه القانوني في ملاحقة كل من يتعرض له بالتشهير بطريقة تمييزية. وأعلن أن محاميه بصدد رفع دعوى ضد عضو جمعية «حلم» جورج قزّي الذي تعرض له بشكل مباشر. في المقابل، أصر معلوف على أن تناول برنامج «انت حر» لأوضاع صالتي سينما في طرابلس وبيروت، ما أدى الى إقفالهما بالشمع الأحمر «أمر أفتخر به ولن أعتذر عنه، لإن الإخلال بالآداب العامة شيء، والحرية الجنسية شيء آخر»، مشيراً الى أنه سيتناول قضية الفحوصات الشرجية «المدانة والمرفوضة» في الموسم المقبل لبرنامج «انت حر». المدونة عبير غطاس، التي كتبت حول قضية سينما بلازا، قالت إنها بصدد نشر شهادة لأحد ضحايا الفحص الشرجي. ولفتت الى أن هذا الفحص إضافة الى أنه منبوذ ومدان، فإن تطبيقه يسهم في تمييز إضافي بحق المثليين السلبيين في مقابل المثليين الإيجابيين. ورفضت غطاس فضح المثليّة المحجوبة لشخصيات عامة الـ outing، مشيرة الى أن ناشطي الجنسانية في لبنان يرفضون هذه الممارسات، وأن النضال الديموقراطي والمدني هو الرد بوجه رهاب المثلية.
بدوره، علّق وزير العدل السابق إبراهيم نجار على خبر إخضاع 36 شخصاً للفحوصات الشرجية بأنه «أمر فظيع». وسأل كيف يخضع الإنسان في القرن الواحد والعشرين لهذه الإجراءات؟ وشدد على عدم جواز المساس بالحيز الخاص والحميمية الجسدية للإنسان.
وحول إلغاء المادة 534 عقوبات، قال نجار إنه سبق أن أعد مشروعاً لتعديل قانون العقوبات، «لكنني كنت أدرك مسبقاً أن إلغاء تجريم المثلية الجنسية لا يمكن أن يمر في مجلس الوزراء». ودعا الى فتح نقاش جدي في لبنان حول قبول حق الآخر بأن يكون مختلفاً، بشرط أن لا يتم المس بالآداب العامة. وذكر نجار بأنه سبق أن طلب تعميم ونشر الحكم القضائي الذي صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان عام 2009، وذلك في سياق ملاحقة جزائية ضد شابين، وعُدّ هذا الحكم سابقة قضائية تمهد لقلب الاجتهاد السائد بشأن المادة 534 كون القاضي سليمان استرسل في تحليل مفهوم «خلافاً للطبيعة». فعدّه بالضرورة مفهوماً قابلاً للتغيير «مرتبطاً بذهنية المجتمع وأعرافه ومدى تقبله أنماطاً طبيعية جديدة غير مألوفة منه أو غير مقبولة».