مراكش | قبل الهجوم عليه ومحاولة طرده من القيروان، قضى يوسف الصديق (1943) أسبوعاً في مدينة مراكش المغربية. أسبوع تحدث خلاله المفكر التونسي عن «السيرة المحمدية»، وقراءة القرآن وتأويله، وعن المتنبي. قبل بدء الندوة الأولى (28/7)، كان صامتاً وساهماً. يدخّن السجائر، ويطرق برأسه. نظره الضعيف يمنعه من تبيّن ملامح جمهوره القرويّ الذي تأخر قليلاً عن الحضور إلى مكان الندوة لانشغاله بتأدية صلاة التراويح.
رغم تقدمه في العمر، تحمّل الصديق مشقات السفر لتقديم خلاصة حفرياته المعرفية في الثقافة العربية الإسلامية، أمام جمهور تنوّع بين فلاحين ومثقفين في إطار «مجالس رمضان» التي تنظمها «دار المأمون» في مراكش. هكذا كانت أولى محاضراته، أمام قرويين معظمهم من المراهقين الذين يخطون خطواتهم الأولى في المعرفة. ووعياً منه بهذا التحدي، تحدّث الصديق بالعامية المغاربية، ليقرّب موضوعه إلى جمهوره. تسلّح بعتاده البيداغوجي الذي راكمه طيلة عقود درّس وحاضر خلالها في الكثير من دول العالم. «النبيّ محمد لم يكن جاهلاً»، يجزم الباحث الأنثربولوجي. يعود إلى نصوص قرآنية تؤكد أنّ لفظ «الأمّي» في القرآن يُقصد به الأمم التي ليست يهودية ولا نصرانية، أي أنّها الشعوب «التي لم يكن الوحي قد نزل فيها بعد». بعد ذلك، عرّج على مواقف من السيرة النبوية تؤكد أنّ النبي كان يعرف القراءة والكتابة بالفعل. صاحب «أقوال الرسول محمد» يؤكد أنّ مقاربته للإسلام هي قراءة للدين في ضوء المناهج الجديدة، من دون أي نية للإساءة إليه. يعود إلى أصول بحثه في السيرة النبوية، ويقول إنّ هزيمة العرب في حرب 1967، حرّكت شيئاً بداخله ودفعته إلى إعادة قراءة مصادر الثقافة العربية الإسلامية. وبما أنّ القرآن هو النص المؤسِّس، فقد انكبّ عليه منذ ذلك الحين. بعد 40 سنة، خلص إلى أنّه يجب على كل مسلم أن يقرأ النصّ الديني بعيداً عن أي مصادر فقهية، وقراءات تقليدية للقرآن. هذه الأمور فسرها أكثر أمام جمهور ثان ضمن ندوة «القرآن والتأويل» (4/8). هنا، عرّج على تكوّن الوعي الديني لدى العرب. يؤكد الصديق أنّه يجب على المسلم المعاصر أن يتخلّص من الإرث الثقيل الذي حاصر فهم الدين (كتب السيرة، والحديث، والاجتهادات الفقهية)، ويتجه نحو نوع من الأنسنة من أجل الخروج إلى عصر الأنوار مجدداً. الصديق الحافظ للقرآن، حافظ قوي لشعر المتنبي وسيرته أيضاً، وقد تناوله في محاضرة ثالثة خلال إقامته المراكشية (29/7).