لدى أصحاب المؤسسات مصلحة نفعية في الإحجام عن التصريح عن الأجور الفعلية لأجرائهم. فمن جهة، التصريح بأجور مرتفعة يترتّب عليه دفعات شهرية، من قبل أصحاب العمل، أعلى للضمان، وهو ما يُسهم في زيادة الكلفة عليهم. ومن جهة أخرى، تسجيل الأجراء بأجورهم الحقيقية يعني أنهم سيضطرون إلى دفع تسويات مرتفعة لنهاية الخدمة، بحسب قانون تعويضات نهاية الخدمة الجديد. علماً بأن هذا القانون كان مجحفاً بحق العمّال، إلا أن أصحاب العمل لا يريدون القبول بهذا القانون حتى، وبالتالي يحاولون التهرّب من خلال التصريح الخاطئ عن أجراء عمّالهم.
4500 أجير فقط يصرّح عن أجورهم بما يفوق 5 أضعاف الحدّ الأدنى في 2024
لكن من ناحية أخرى، ومع أن احتمال وجود أن لا تكون هذه الأرقام دقيقة، هذه البيانات لها دلالات أخرى يمكن استنتاجها. أولاً، أصبح هناك قلّة قليلة من العمّال يتقاضون أجوراً مرتفعة، وهذا ما يظهر ارتفاع الهوّة في الدخل في المجتمع. حيث يأخذ 1.4% فقط أكثر من خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور، في حين كان نحو 12.5% يدخلون في هذا الشطر قبل الأزمة. يمثّل هذا الأمر أحد أوجه نتائج الأزمة على المجتمع اللبناني، إذ أتت لتوسّع الهوّة بين الأغنياء والفقراء. كما تظهر هذه الإحصاءات أن الأزمة مسّت بالطبقة الوسطى بشكل كبير، ودفعت جزء كبير منها نحو الطبقات الفقيرة، بينما توسّعت قاعدة هذه الأخيرة لتشمل الجزء الأوسع من اللبنانيين. المشكلة الأساسية هي أن الدولة لا تقوم بتطبيق أي سياسات حماية لمواجهة هذا الأمر، فيما يُترك العمّال اللبنانيون رهينة أصحاب العمل الذين أعادوا هوامش ربحيتهم إلى مستويات ما قبل الأزمة، في حين يتهربون من إعادة مستويات الأجور، وإعطاء الحقوق للعمّال، سواء عبر تسجيل رواتبهم الحقيقية في الضمان الاجتماعي أو عبر القبول بنظام تسوية لتعويضات نهاية الخدمة.