في الذكرى الأولى للحرب بين أرمينيا وآذربيجان، يتجدّد التوتّر في منطقة جنوب القوقاز، إنّما هذه المرّة بصور مختلفة. قطباه اليوم، إيران التي شكّل موقفها في تلك الحرب - للمفارقة - نوعاً من الدعم المبطن لباكو؛ وآذربيجان، ومن خلفها تركيا، اللتان تتّهمهما طهران بالسعي إلى إحداث تغيير جيوسياسي على حدودها الشمالية، بقطع أيّ تواصل بينها وبين أرمينيا، وبالتالي بينها وبين أوروبا عبر هذه الدولة. على أن هذا التغيير ليس وليد لحظته، بل هو يمثّل، على نحو أو آخر، «الابن الشرعي» لاتفاق إنهاء القتال في ناغورنو قرة باغ العام الماضي، والذي وُلد بتزكية من روسيا، لصالح الصديق التركي، وعلى حساب الحليف الإيراني. وإذا كانت إيران تسعى، الآن، من خلال دينامياتها السياسية والعسكرية الحازمة، بوجه آذربيجان وتركيا، إلى تعديل ذلك الاتفاق لصالحها، فإن ما لا يغيب عن هذه المشهدية بتاتاً هو العامل الإسرائيلي، الذي يبدو أن تأثيره شهد ازدهاراً في أعقاب تسوية قره باغ، ليضاعف مخاوف الجمهورية الإسلامية من قاعدة إسرائيلية متقدّمة على بوّابتها الشمالية، بالتوازي مع محاولات استحضار الكيان العبري إلى باحتها الجنوبية، وخلْق حالات توتير لها على الحدود مع العراق. إزاء ذلك كلّه، كان لا بدّ، من وجهة نظر إيران، من بدء تحرّك على درجة عالية من القوة، بهدف إفهام مَن يعنيهم الأمر أن محاولة العبث بالوضع الجيوسياسي على تخومها، لن تُحقّق لأصحابها هدفهم في إخضاع طهران، تماماً كما لم تفعل سياسة "الضغوط القصوى"، أو الاستهداف الأمني، أو التلويح العسكري