هذا الأمر لا يعني، بالطبع، أن الأسر اللبنانية كلها عادت إلى نمط حياتها السابق، بل إن انخفاض القدرات الشرائية للأجور، وارتفاع معدلات البطالة، جعل الكثير من الأسر تدنو إلى ما دون خط الفقر، إذ تشير تقديرات الإسكوا «إلى أن أكثر من 55% من سكان البلد يقعون الآن في براثن الفقر». عملياً، هذا الأمر يظهر أن الأزمة الاقتصادية التي عاشها البلد في السنوات الخمس الأخيرة انعكس عبر زيادة الهوّة وانعدام المساواة بين الطبقات الاجتماعية في البلد.
انخفاض القدرات الشرائية للأجور وارتفاع معدلات البطالة دفع الأسر إلى ما دون خط الفقر
كانت هذه نتيجة «التصحيح» الذي حصل من دون تدخّل الدولة. وكان يمكن تفادي هذا الأمر عبر تصحيح الحساب الجاري عبر تحفيز التصدير، وهو كان ممكناً في السنوات الأولى من الأزمة بسبب انخفاض كلفة الإنتاج في ذلك الوقت. إلا أن هذا المسار كان يحتاج إلى قرارات حاسمة منذ بداية الأزمة. وهي قرارات تتعلّق بتسوية أوضاع القطاع المصرفي، الذي كان من الممكن الحد من خسائره لو تم التعامل مع الأزمة منذ بدايتها بشكل مسؤول. كما أنها تتعلّق بسياسات مالية ونقدية تُسهم في زيادة الاستثمار في قطاعات محددة يُمكن أن تُشكّل فرصاً للتصدير وتضييق العجز في الميزان التجاري، وبالتالي في الحساب الجاري. كما كان يمكن العمل على التحكّم بالاستيراد عبر، أو ما يُعرف بالـimport control، وبالتالي خفض العجز أيضاً.
أما ما بقي الآن فهو استخدام التحويلات الآتية من الخارج لتغطية العجز في الميزان التجاري. وهو عملياً يُشبه النموذج الذي أوصلنا إلى الأزمة. حيث تأتي الأموال من المغتربين إلى البلد، وتُصرف هنا على الاستهلاك المستورد، مع فرق أن اليوم لا تلعب المصارف دور الوسيط الذي يوزّع الأموال على شكل قروض استهلاكية، بل تأتي الأموال بشكل مباشر إلى المستهلكين، لتُصرف في السوق وتُحوّل إلى الخارج من أجل الاستيراد.