«العمال الزراعيون نالوا النصيب الأكبر من الخسائر»، يقول نمر ذياب الذي يملك صيدلية زراعية في حولا. بالنسبة إليه، ليست الحرب وحدها مشكلة العمال الزراعيين، إنما أيضاً «إهمال الحكومات المتعاقبة». فباستثناء سياسة وزارة الزراعة في استجداء المساعدات من الجهات الدولية المانحة والمنظمات غير الحكومية وتوزيعها وفقاً لمعايير الزبائنية، لم يشهد الجنوب أي سياسة زراعية تخلق الوظائف وتزيد المساحات المزروعة والقدرة الإنتاجية. وللمزارعين، سواء أكانوا من أصحاب الحيازات الصغيرة أم للعمال الزراعيين، حاجات أساسية ما زالت غائبة. إذ ليس لديهم نظم حماية اجتماعية، وليس لديهم ضمانات سوى أنهم محكومون بقبضة الأحزاب وسيطرة السلطة على النقابات الزراعية. الآن، أصبح للمشكلة طبقات إضافية. فكلما تدهورت الأوضاع الأمنية، زادت طبقة جديدة فوق المشكلة الأساسية. فالحرب أتت على البساتين، وثمة مستقبل مشؤوم لما تبقى من أشجار، والخسارة شملت إلى الآن ثلاثة مواسم زراعية مع استحالة الاستفادة من الموسم الصيفي. كذلك ثمة ضرر على المدى الطويل يتعلق بالمساحات التي تضرّرت بفعل القنابل الفوسفورية.

«من الزراعة إلى السوبرماركت» هذا هو عنوان النزوح للعمال الجنوبيين. فقد بادر يوسف حمود، مالك سوبرماركت العاملية بفروعها الأربعة، إلى فتح باب التوظيف أمام النازحين ولا سيما أبناء بلدته ميس الجبل. أراد بذلك الاستعاضة عن تقديم مساعدة تسبّب لمعظمهم الحرج، مقابل عمل مؤقّت أجره الشهري يبدأ بـ400 دولار. اليوم، تحتضن العاملية أكثر من 25 عاملاً قادماً من الخيام وبنت جبيل وعيتا الشعب وحولا وغيرها. بالتناسب مع خبراتهم وإمكاناتهم جرى تشغيلهم. مثلاً، شغل أحد عمال الميكانيك مهمات في معمل الصيانة التابع للسوبرماركت. آخرون ممن لديهم خبرة في المطاعم استلموا العمل على البرادات في قسم اللحوم والدجاج. أما بعض عمال الزراعة والبناء ممن يجيدون قيادة السيارات، فقد صاروا يعملون في خدمة الـ«فاليه باركينغ». يقول حمود: «هناك المزيد من المتقدمين للعمل رغم مضي 7 أشهر على اندلاع الحرب»، ما يشير إلى صعوبة الظروف المعيشية للأسر النازحة وانعدام الخيارات.
كان محمد، من بلدة عيترون، يجني من كونه معلم نجارة الباطون دخلاً يكفيه لتغطية كلفة تعليم أبنائه في جامعة خاصة وللادّخار أيضاً، ولكنه الآن يستأجر منزلاً في الدكوانة بنحو 350 دولاراً شهرياً، وهو بلا عمل. اضطر أن يبيع قطعة أرض في عيترون بمبلغ 35 ألف دولار «بنص حقها». وهو يرفض المساعدة الموزّعة بقيمة 100 دولار للأسرة لأنها «مش محرزة» حتى لاستئجار شقة. أما يوسف، من كفركلا، فيحاول أن يجد عملاً بعدما اضطر أن يتخلّى عن عمله كحارس أمن لليلة واحدة في الأسبوع مقابل 500 ألف ليرة عن 5 ساعات عمل. أمله الوحيد أن يعود إلى بلدته ويحاول تعويض موسم التبغ.
جميلة مثل يوسف تخطّط لموسم التبغ المقبل، ولكنها تحتاج إلى عمال للمساعدة على موسم صعب. كانت تتّكل على عائلات سورية نزحت وربما لن تعود. وحال علي ليس أفضل من «جيرانه»، إذ نزح مع أسرته إلى تبنين وسكن في منزل مجاني، ولكنه يعمل سائق أجرة. الوظائف في الجنوب كانت ضمن فئة الخدمات البسيطة أو الزراعية، ولكنها اليوم «عاطلة» أكثر. بالنسبة إليهم، لم يأتِ العيد بعد.