سؤال صاحب عمل عمّن «فرعنه» ليصرف عمّاله تعسّفياً وينتهك حقوقهم يبقى عبثياً ما دام أنه «لم يجد قضاءً يردّه». لذلك تراجعت أعداد الشكاوى في أدراج مجالس العمل التحكيمية من الآلاف إلى العشرات في السنوات الثلاث الأخيرة، وفق «المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين»، ليس لأنّ حقوق العمال «في الحفظ والصون»، بل لغياب الثقة بفعالية القضاء اللبناني وإنصافه للعامل.منذ سنة، تُعلَّق الجلسات في مجالس العمل التحكيمية في جميع المحافظات، وتُكدّس شكاوى العمال في أقلام المحاكم بسبب إضراب مفوضي الحكومة للمطالبة بتحسين بدلات حضور الجلسة. وهؤلاء موظفون من الفئة الثالثة، منتدبون لتقديم مطالعة وإعطاء رأي الحكومة في القضية. ورغم أن رأيهم استشاري وغير ملزم، إلا أنّ وجوده شرط لانعقاد الجلسة وإصدار الحكم. قبل ذلك، تأثرت عجلة القضاء بانتشار جائحة كورونا، واعتكاف القضاة والمحامين والمساعدين القضائيين.
ورغم أن «مجالس العمل هي قضاء عجلة، ويتوجب اتخاذ القرار فيها خلال ثلاثة أشهر»، بحسب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبد الله، توصّلت دراسة لـ «المفكرة القانونية» إلى أنّ «متوسّط أمد الدعاوى التي تنتهي بحكم نهائي قارب الثلاث سنوات ونصف سنة في محافظتي بيروت وجبل لبنان عام 2018، وارتفع إلى أربع سنوات عامي 2020 و2021 في بقية المحافظات». هذه المماطلة «دفعت 70% إلى 80% من العمال إلى سحب شكاواهم وتسوية النزاع مع صاحب العمل بعد تقديم تنازلات أو بعد تدخلات حزبية، فيما سافر الجزء المتبقي منهم أو تخلّى عن متابعة قضيته»، وفق «المرصد» الذي صار ينصح العمال الذين يقصدونه بـ«المفاوضة مع أصحاب العمل».
ويقصد العمال مجالس العمل التحكيمية لدى تعرّضهم للصرف التعسفي أو عدم التصريح عنهم في الضمان الاجتماعي أو عدم التصريح عن كامل الراتب الذي يتقاضونه، لينتهي بهم المطاف في مستنقع اليأس، خصوصاً أنه «مع مرور الوقت، تفقد التعويضات التي يطالبون بها قيمتها ولا تعود تساوي أحياناً كلفة التنقل لمتابعة الدعوى». وإلى المماطلة، يضيف عبد الله مشكلة الروتين الإداري الذي «يكبّد العامل وقتاً وجهداً وأكلافاً مادية بدءاً من كلفة معاملة تبليغ صاحب العمل التي تساوي بين مليون ومليوني ليرة، وكلفة الطوابع وكتابة الدعوى وطباعة الأوراق ثمّ التبليغات». هذا فيما ينصّ القانون على «إعفاء جميع الدعاوى التي تقدم أمام مجالس العمل التحكيمية من الرسوم القضائية ومن رسم الطابع». كذلك، «هناك حالات تحتاج إلى توكيل محامٍ، وتكاليف النقل ذهاباً وإياباً، ولا سيما أن مقرات المجالس متباعدة، فيقصدها العامل من بنت جبيل إلى النبطية مثلاً، أو من عكار إلى طرابلس».
ممثلو العمال في المجالس معيّنون حزبياً وطائفياً ومحكومون بالولاء السياسي


يتألف مجلس العمل التحكيمي من قاضٍ وممثل عن العمال وآخر عن أصحاب العمل، إلى جانب مفوض الحكومة. وبعيداً من الأزمة، لم يكن العمّال يوماً معجبين بهذه المجالس غير الفعّالة وغير المنتظمة. فمندوبو العمال هم، بحسب عبد الله، «من ذوي أصحاب العمل ورؤوس الأموال ولا يشعرون بالعامل»، ووفقاً لمصدر في «المرصد»، غالبيتهم «ممثلو أحزاب يأتون ببراشوت حزبي وطائفي، ومحكومون بالولاء السياسي». أما القضاة، «فيأتون بالإعارة من أقلام في محاكم أخرى ولديهم مهمات أخرى، لذلك لا يُلامون على تقاعسهم، بل تُلام الدولة التي لا تؤمن انتظام عمل المجالس حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم».