عاد قطاع العمالة المنزلية ليشهد «انتعاشاً»، فيما لا تزال العاملات في الخدمة المنزلية رهينات استعباد نظام الكفالة والاتجار بهن. فقد ارتفع عدد الشكاوى لدى وزارة العمل حول حرمان عاملات من أجورهن وحجز أوراقهن الثبوتية من 68 شكوى عام 2021 إلى 164 عام 2023، وعادت إلى الانتشار ظاهرة ترك المنازل والوقوع في «مصيدة» العصابات التي تقحمهن في أعمال غير قانونية. بحسب أرقام وزارة العمل، ارتفع عدد إجازات العمل الممنوحة للعاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية من 10994 عام 2021 إلى 23645 عام 2023، ما يشير إلى «تحسّن» في قطاع العمالة المنزلية مقارنة بالسنوات الأولى للأزمة الاقتصادية التي تزامنت مع انتشار جائحة كورونا، عندما «وصلنا إلى القاع»، وفقاً لعضو نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات المنزليات ورئيسها السابق علي الأمين. إلا أن اللافت هو تغيّر جنسية العاملات المنزليات اللواتي بتن يُستقدمن من دول أكثر فقراً ما يجعلهن أكثر قابلية للاستغلال، فتصدّرت أثيوبيا الدول التي «صدّرت» عاملات منزليات إلى لبنان عام 2023 بنسبة 57.7%، تليها كينيا بنسبة 19.9%، ثم غانا والفيليبين والكاميرون بنسب متفاوتة.

(أرشيف)

ورغم زيادة الطلب على العاملة المنزلية، إلا أن مكاتب الاستقدام لم تعد إلى أيام «العزّ» التي مرّت بها قبل عام 2019، إذ «تعمل بنسبة 30% إلى 40% من نشاطها قبل الأزمة الاقتصادية، نظراً إلى ارتفاع نسبة مخاطر الاستقدام وارتفاع كلفته، إضافة إلى طفرة عدد المكاتب الذي يُقارب 500 مكتب مرخّص لدى وزارة العمل مقارنة بحجم الطلب. اليوم، بعض المكاتب تواصل بمعاملتين أو ثلاث سنوياً وحتى لا تخسر ترخيصها، وحوالى 20% من المكاتب تتسلّم أقل من 20 معاملة سنوياً»، وفقاً للأمين.
ووفقاً لعاملين في السوق، تصل كلفة استقدام عاملة من «أرخص دولة»، لجهة الإجراءات التي تفرضها، إلى ألفي دولار بالحد الأدنى، إلى جانب ما يترتب من بدل شهري للعاملة يراوح بين 200 و350 دولاراً. محاولات تفادي هذه الكلفة عبر إحلال عاملات لبنانيات أو سوريات أو فلسطينيات لم تفلح، فبحسب الأمين، و«انطلاقاً من أبحاث واستطلاعات رأي وتجربة طويلة في القطاع، لن تكون هناك عمالة محلية في الخدمة المنزلية. ومقابل الطلب الخجول عليها يبقى العرض صفراً لأن التغيير الثقافي والاجتماعي حيال العمل في الخدمة المنزلية لا يحصل بشحطة قلم».
استقدام العاملات المنزليات ارتفع أكثر من 100% بين 2021 و2023


أمام هذا الواقع، يكثر «الإتجار» بالعاملات الأجنبيات عن طريق «تأجيرهن» أو «بيعهن» لصاحب عمل آخر. وتُنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات عن «عاملة منزلية (مع تحديد الجنسية) للإيجار بالساعة أو يومياً أو شهرياً». ويلفت الأمين إلى «ظاهرة بتنا نشهدها بكثرة تتعلق بفرار العاملات من المنازل طمعاً بالعمل المنزلي بالساعة، أو هرباً من سوء معاملة صاحب العمل»، لافتاً إلى أنّ «90% منهن يغرّر بهن من قبل عصابات ومافيات، وعندما يهربن من المنزل، يُفاجأن بكلفة السكن المستقل والمصاريف الخاصة التي تفوق بكثير ما يجنينه في العمل المستقلّ، عدا عن مخاطر الإقامة غير الشرعية، ما يُورطهنَّ في أعمال غير قانونية وأحياناً غير أخلاقية».
تؤكد المديرة العامة لوزارة العمل بالإنابة رئيسة دائرة مراقبة عمل الأجانب، مارلين عطالله، أنه بعد كثرة الشكاوى التي وردت إلى وزارة العمل حول «هروب» عاملات منزليات، «قررنا تنظيم استقدام العاملات الأجنبيات للخدمة المنزلية، إذ يتحمل صاحب المكتب مسؤولية تأمين بديل عن العاملة التي تترك المنزل أو كلفة العمل لمدة ثلاثة أشهر، بعد موافقته المسبقة «أون لاين» على شروط إجازة الاستقدام مرفقة بتوجيهات للتوعية». أما من يشغّل عاملة أجنبية في مهنة غير التي استُقدمت من أجلها، «فنسطّر محضر ضبط بحقه».

يشير ارتفاع عدد شكاوى العاملات إلى زيادة وعيهن حيال حقوقهن والجهة التي يلجأن إليها للشكوى


واستناداً إلى إحصاءات وزارة العمل، ارتفع عدد شكاوى العاملات المنزليات تدريجياً من 68 عام 2021 إلى 92 عام 2022 فـ 164 عام 2023، ترتبط جميعها بحرمانهن من رواتبهن أو التواصل مع عائلاتهن أو حجز أوراقهن الثبوتية، إلى جانب عدد من الشكاوى لدى مجالس العمل التحكيمية بهذا الخصوص والتي تستند إلى قانون الموجبات والعقود. وإذ تؤكد هذه الشكاوى استمرار انتهاك حقوق العاملات الأجنبيات وكرامتهن الإنسانية، إلا أنها تشير في الوقت نفسه إلى زيادة وعيهن حيال حقوقهن والجهة التي يلجأن إليها للشكوى، سواء أكانت وزارة العمل أم عن طريق اللجوء إلى السفارات والقنصليات والجمعيات. فيما تشير عطالله إلى أن الوزارة «فعّلت آلية الرقابة لجهة استقبال الشكاوى من مصادرها المختلفة وإحالة ملفات إلى النيابة العامة لحجز أملاك صاحب العمل المتخلف عن تسديد أجور العاملة وللتأكد من شبهة الإتجار بالبشر، كما وضعت عدداً من أصحاب العمل على اللائحة السوداء لمنعهن من استقدام عاملة منزلية ثانيةً بعدما ثبتت مخالفته».
وبعيداً من الجهود التي تبذلها الوزراة، ولا سيما تعديل بنود بوليصة التأمين ودولرتها لتصل إلى 23 ألف دولار عن كل حالة استشفائية أو طوارئ أو نقل رفات العاملة المتوفاة إلى بلدها الأم، لا يمكن تحرير العاملة المنزلية من «الاستعباد» والعنف والاستغلال المادي قبل التخلّص من نظام الكفالة ووفاء وزارة العمل بوعدها ضم الخدمة المنزلية إلى أحكام قانون العمل.