القاهرة | لا يزال المسلسل المصري «الحشاشين» (تأليف عبد الرحيم كمال ـــ إخراج بيتر ميمي) يثير الكثير من الجدل، منذ عرضه بداية في موسم شهر رمضان الماضي. لكن هذه المرة تأتي إثارته للجدل من إيران التي أعلنت عن منع عرض المسلسل باعتباره «يظهر صورةً زائفة عن الإيرانيين، ويسعى إلى ربطهم ببدايات الإرهاب». هذا ما صرّح به رئيس «هيئة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع» في طهران، مهدي سيفي، قائلاً: «إنّ بثّ المسلسل لم يعد معتمداً في البلاد»، وأنه «أنتج بنهج سياسي متحيز» في ظل رقابة على ما يشاهده الإيرانيون عموماً من إنتاجات أجنبية.
من المسلسل

ورغم منع المسلسل من العرض على التلفزيون المحلي، إلا أن هناك تقارير إخبارية عن منصات عرضت المسلسل بالفعل مترجماً إلى الفارسية، لدى عرضه الأول في شهر رمضان. كما أنّ مسألة المنع في كل الأحوال لا تمنع المشاهدين من الوصول إلى ما يريدونه في أي وقت ومكان، فالموقف الإيراني بمنع المسلسل هو موقف رمزي تجاه مضمونه. الغريب أنّ بعض المواقع الإخبارية المصرية احتفت بخبر منع عرض «الحشاشين» في إيران، باعتباره «المسلسل الذي أزعج طهران»، وأنّ إنتاج «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة للأجهزة الأمنية المصرية» للعمل ترك «تأثيراً كبيراً خارج البلاد»، في حين أن المنع أمر لا يحبّه كل من يعمل في الإنتاج المرئي والمسموع. وسبق لمواقع «الشركة المتحدة» وصحفها أن نشرت تقارير إخبارية عن كون مواقع إيرانية تشيد بمسلسل «الحشاشين»، إلى جانب منصات ـــ وصفتها الصحف بأنها «حرّة» ـــ تترجم حلقاته إلى الفارسية وأنها تحظى بمشاهدة عالية في إيران، ناقلةً «ريفيوهات» بعض المشاهدين التي تشيد بالمسلسل من موقع IMDB.
قدِّم مسلسل «الحشاشين» إلى الجمهور بطريقة جعلته يقع في فخّ «لي ذراع الحقيقة» منذ حلقته الأولى من أجل الهوى السياسي لرجال الحكم في مصر الذين أصبحوا بشكل أو بآخر يتحكمون في كلّ الدراما المنتجة والمعروضة على الشاشات، وهو ما أدى إلى سخرية الجمهور الكثيفة من حلقات المسلسل وما تتضمنه من مغالطات حول طائفة «الحشاشين». إذ أراد صنّاع العمل أن يسقطوا الأحداث أيضاً على «جماعة الإخوان المسلمين»، جاعلين من حسن البنا، مؤسس «الجماعة» في بدايات القرن العشرين، نسخةً جديدةً من حسن الصباح، مؤسس فرقة «الحشاشين» في تسعينيات القرن الحادي عشر. وكان انتقاد حديث الأبطال والمغالطات التاريخية التي وقع فيها المؤلف عبد الرحيم كمال ـــ بقصد أو من دون قصد ـــ هي الصورة العامة التي انتشرت عن العمل في مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم أنّه كتب على دعاية المسلسل جملة «أباطيل وأبطال... من وحي التاريخ»، فقد تعارض كثير مما عرضته دراما «الحشاشين» مع التاريخ الحقيقي لجماعة «الحشاشين» واختصر تاريخها في أنها جماعة «اغتيالات». وبالتالي، أصبح «الحشاشين» المسلسل الذي يستمد أهميته من الأخطاء والمنع أو المشكلات التي تثار حوله والأخبار التي تصدرها الشركة المنتجة كونه العمل الأهم والأضخم في تاريخ الدراما المصرية، وليس أهمية نابعة مما قدّمه فعلاً كإضافة للإنتاج الدرامي التاريخي في مصر.
اختصر العمل التاريخ الحقيقي لـ«الحشاشين» وصوّرها على أنّها جماعة «اغتيالات»


حقّق «الحشاشين» نجاحاً جماهيرياً في مصر رغم كل الأخطاء والمطبّات التي وقع فيها، فقد أدّى بطولته كريم عبد العزيز، وأحمد عيد، وأخرجه بيتر ميمي وهو مخرج ثلاثية «الاختيار» التي حكت ما حدث في مصر من حرب على الإرهاب بعد عام 2011 وصولاً إلى تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي سدّة الحكم في عام 2014، وأنتجته «الشركة المتحدة» التابعة للاستخبارات، وهو ما يفسّر الكثير من اللغط الذي أثاره المسلسل، فقد أنتج على هوى الشركة ومن يوجّهونها.
لكنّ جانباً آخر لا يروى كثيراً حول «الحشاشين»، هو أن ميزانيته كانت ضخمة جداً وقد لا تعوّض. إذ استغرق تصويره حوالى عامين. ونظراً إلى عدم قدرة الميزانية على تغطية تصوير المشاهد الخارجية للنهاية بسبب أزمة الدولار في مصر (سبعة أيام في كازاخستان ويوم واحد في مالطا حسب مخرج العمل)، فقد عاد طاقم العمل إلى مصر حيث تم بناء الديكور الذي صوّرت فيه معظم الأحداث، بالإضافة إلى استخدام الغرافيك. وهذا يفسر المحاولة الدائمة للإيحاء بأنّ المسلسل لا يزال يحقق نجاحات حتى خارج حدود البلاد. وفي الكواليس، تسعى الشركة المنتجة حالياً إلى إنتاجه كفيلم سينمائي عبر مشاهد مصوّرة لم تُعرض في المسلسل، كمحاولة أخرى لتعويض جزء من الميزانية التي لم يفصح عنها بدقة، وإن كانت الأرقام المتداولة تفيد بأنّها تصل إلى 400 مليون جنيه مصري (ثمانية ملايين دولار)، كما يبين هذا الأمر أن المسلسل أنتج بلا خطة واضحة، حتى إنّ مشاهد غير معروضة منه ستكفي لصنع فيلم سينمائي منه!