ارتفع، في الأسابيع الأخيرة، منسوب الخشية في إسرائيل، من احتمال إصدار «محكمة الجنايات الدولية» أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين بينهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، وآخرون. إذ إن تحقّق احتمال كهذا، سيكون، وفقاً لمحلل الشؤون القانونية في موقع «واينت»، متان غوتمان، «ذا عواقب وخيمة وتأثيرات دراماتيكية على إسرائيل»، وعلى استمرار حرب الإبادة التي تشنّها على غزة. ورغم من أن إسرائيل ليست من الأطراف الموقّعة على «نظام روما الأساسي» الذي أنشأ «الجنائية الدولية»، وينصّ أحد بنوده على أن المحكمة تتمتع بصلاحية إصدار أمر اعتقال بحق أي شخص يرتكب جريمة حرب في أراضي إحدى الدول الموقّعة على النظام، حتى لو كان أجنبياً. وكانت السلطة الفلسطينية قد انضمت، في عام 2014، إلى عضوية النظام الأساسي، فيما منذ عام 2021، قررت الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية»، بغالبية الأصوات، أنه يحق للمدعي العام للمحكمة التحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب في المناطق التي احتلّتها إسرائيل عام 1967.وتُمنح سلطة إصدار مذكرة التوقيف لقضاة المحكمة التمهيدية بناءً على طلب من المدعي العام، ما يعني، وفقاً لغوتمان، أن «ثمة إجراء قضائياً لازماً لإصدار الأمر، حيث يقوم القضاة بفحص الأدلة الأولية الموجودة بين يدي المدعي. وبعد ذلك، يمكن إصدار أمر الاعتقال بموجب الشروط المنصوص عليها في المادة 58 من نظام روما»، وعلى رأسها وجود أساس معقول للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب جريمة تدْخل ضمن اختصاص المحكمة، علماً أن الاعتقال يكون، في هذه الحالة، ضرورياً لضمان مثول الشخص أمام المحاكمة، أو للتأكد من أنه لن يُفشل أو يشوّش على التحقيق أو إجراءات المحكمة، أو لمنعه من الاستمرار في ارتكاب الجريمة نفسها أو جريمة ذات صلة بموجب الاختصاص المشار إليه. وبالتالي، فإن إصدار المدعي العام لمذكرات الاعتقال، سيتطلب إجراء قضائياً أمام المحكمة التمهيدية التي ينبغي أن توافق على ذلك.
على أنه يمكن للمحكمة التمهيدية أن تتخذ إجراءً أكثر اعتدالاً، من مثل الاستدعاء للمثول أمام المحكمة إذا كان القضاة مقتنعين بأن الاستدعاء كافٍ لضمان مثول المشتبه به. ولكن إذا صدرت بالفعل مذكرات اعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين، فسينضمون إلى نادي «مجرمي الحرب» الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال كالرئيس السوداني السابق، عمر البشير، والجنرال الليبي، محمود الورفلي، والقائد الأوغندي لـ«جيش الرب للمقاومة»، جوزيف كوني، الذي أمر باختطاف عشرات الآلاف من الأولاد والبنات من منازلهم، وتحويلهم إلى جنود أو عبيد جنس في منظمته. وكانت آخر مذكرة اعتقال دولية مهمة أصدرتها المحكمة ضد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومسؤولين روس آخرين بتهمة «اختطاف وترحيل أطفال من أوكرانيا».
عقد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، جلسة سرية بحث خلالها احتمال صدور مذكرات الاعتقال


رغم كل ما تقدم، فإن المحكمة ذاتها لا تتمتع بسلطات تنفيذية، ولا توجد لديها شرطة لتنفيذ أوامر الاعتقال. غير أنه في حال صدور هكذا أوامر، على جميع الدول الأعضاء المساعدة في تنفيذها، وتسليم المشتبه فيهم بموجبها. والجدير ذكره، هنا، أن ثمّة 123 دولة عضواً في «نظام روما»، من ضمنها دول أميركا الجنوبية، وجميع الدول الأوروبية تقريباً، وأستراليا، وكندا، ونحو نصف الدول الأفريقية، فيما الولايات المتحدة والهند والصين ليست أعضاء في الاتفاقية. وعليه، فإنه إذا «صدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، فهذا يعني أن أيّ رحلة يقوم بها إلى إحدى الدول الأعضاء في الاتفاقية قد تعرضه لخطر الاعتقال والتسليم إلى محكمة العدل الدولية».
مع ذلك، فإن الدول الأعضاء لا تتعاون دوماً مع المحكمة؛ ففي عام 2015، كان البشير ينوي المشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي، ولدى وصوله، سُمح له بمغادرة البلاد رغم مذكّرة التوقيف الصادرة بحقه. «لكن مجرد استخدام أداة مذكرات الاعتقال ضد رئيس دولة ديموقراطية تتمتع بنظام قضائي مستقل مثل دولة إسرائيل، سيكون سابقة خطيرة»، وفقاً لغوتمان، إذ يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تسعير الاحتجاجات ضد إسرائيل في جميع أنحاء العالم، بهدف حمل الحكومات الغربية على حظر تصدير الأسلحة إليها، على خلفية ارتكابها جرائم حرب. وفي وقتٍ سابق، أصدر وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تعليمات إلى جميع السفارات والممثليات الديبلوماسية الإسرائيلية حول العالم بالاستعداد لـ«اندلاع موجة معادية للسامية واليهود وإسرائيل... إذا صدرت مثل هذه الأوامر فإنها ستلحق الضرر بقادة ومقاتلي الجيش الإسرائيلي، وتعطي دفعة لحماس ومحور الإسلام الراديكالي، بقيادة إيران، الذي نحارب ضده».
وفي الإطار نفسه، ذكرت صحيفة «معاريف» أن نتنياهو أجرى اتصالات مكثفة مع جهات دولية عدّة، وخصوصاً مع الولايات المتحدة، للضغط على الرئيس الأميركي، جو بايدن، للتحرك من أجل منع إصدار مذكرات الاعتقال. ويأتي هذا بعدما عقد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، جلسة سرية بحث خلالها احتمال صدور مذكرات الاعتقال، مقرراً إطلاق حملة ضغط ديبلوماسية وتفعيل أدوات أخرى للحؤول دون ذلك.