غزة | يعيش الشارع الغزّي حالة من الترقّب الحذر لمجريات جولة المفاوضات غير المباشرة بين حركة «حماس» وإسرائيل، والتي تستضيفها القاهرة. صحيح أن مستوى التفاؤل هذه المرة أكبر قليلاً، لكن عشرات الجولات السابقة أورثت الشارع شعوراً حاداً بالخيبة. فخلال الأشهر الماضية، سادت عمليات التضليل التي مارسها الإعلام الإسرائيلي، ومعه قنوات فضائية وصحف عربية ودولية، حاولت جميعها استخدام الشارع في قطاع غزة، كورقة ضغط على وفد المقاومة المفاوض، من خلال الإيحاء بأن حركة «حماس» هي التي تعرقل صفقات الهدنة المؤقتة بتمسّكها بمطالبها، التي لم تكن سوى ضمان عدم العودة إلى الحرب مجدداً، والسماح بعودة النازحين في جنوب القطاع إلى شماله من دون قيود، وانسحاب جيش العدو من محور «نتساريم»، بما يضمن حرية الحركة. تلك المحاولات اعتمدت على شريحة من الكتّاب والمحلّلين والنشطاء الذين جرى تصديرهم بهدف الترويج للقبول بصفقة تبادل تفضي إلى هدنة أو وقف إطلاق نار مؤقت، بأي ثمن كان، حتى لو أدّى ذلك إلى بقاء العدو محتلاً لنصف غزة، أو أدّى إلى إراحته من ملف الجنود الأسرى، وأعطاه مساحة لحرب من دون نهاية.
المقاومة أثبتت، للغزّيين، أن إصرارها على شروطها كان الموقف الأصوب

المعلومات التي تضخّها وسائل الإعلام العبرية عن مضامين الصفقة المفترضة، تشير إلى قبول العدو بالانسحاب من «نتساريم»، والسماح بعودة النازحين إلى شمال القطاع. وفي استقبال تلك الأخبار، عبّر السواد الأعظم من الأهالي عن موقف متماسك وموحّد في دعم توجه المقاومة التمسك بشروطها. ويقول أبو محمد مرعي، وهو أحد النازحين في مدرسة إيواء في مخيم جباليا، لـ«الأخبار»: «المقاومة أثبتت اليوم أن إصرارها على شروطها كان الموقف الأصوب. لو قبلوا بالحلول التي قُدّمت لهم، لكنا أمام مخطّط تهجير مكتمل، وكنا أمام صناعة قيادات محلية عميلة. إفشال كل المخطّطات هو ثمرة تماسك المقاومة وبسالتها في الميدان». أما أمّ محمد المنسى، فترى أن «المقاومة لا تطالب بأكثر من حقوقنا. والعدو يحاول تحقيق صورة الانتصار من خلال تعكير حياة الناس»، وتضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاحتلال لم يستطع استعادة جنوده الأسرى، ولا أن يقضي على المقاومة. اختار الناس العُزّل والمدنيين، حتى ينكّد عليهم ويحرمهم من العودة إلى ديارهم. لكن المقاومة قادرة بفضل الله على إفشال كل مخطّطاتهم».
ولحظّ العدو العاثر، وحسن حظّ المقاومة، فإن جولة التفاوض الحالية، تزامنت مع نجاح الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في تسديد ضربات دقيقة ومؤثّرة إلى جيش الاحتلال على محور «نتساريم»، حيث تمكنت «كتائب القسام»، أول من أمس، من قتل جنديين وجرح 11 آخرين، في كمين محكم. وبدّد هذا الحدث، صورة الانتصار التي حاول العدو تصديرها في ليلة عيد الفصح، حين نشر مائدة طعام احتفالية في موقع «نتساريم»، قبل أن يعيد الأهالي نشر تلك الصورة التي تسبّبت بأذى نفسي كبير، تحت عنوان «العشاء الأخير في نتساريم».