أزمة بئر «الفكّة»: «أصدقاء» يتنازعون الحدود
ثمّ لماذا إثارة هذا الملف قبل فترة وجيزة من الانتخابات التشريعية العراقية المقررة في آذار المقبل، وهي التي يُحكى الكثير عن التدخل الإيراني في تركيب لوائحها، وخصوصاً في إطار «البيت الشيعي»، فضلاً عن الضغط الإيراني المباشر على رئيس الحكومة نوري المالكي ليدخل في لائحة «الائتلاف العراقي الوطني الموحَّد» بدل خوضه الانتخابات في تحالف منافس هو «ائتلاف دولة القانون». وقد وضع البعض «اجتياح» الجنود الإيرانيين للأراضي العراقية في إطار الإحراج غير المفهوم لحلفاء طهران في بغداد. إحراج يرى كثر أنه غير ضروري بما أنّ لدى الجمهورية الإسلامية حلفاء في العراق، ما يمكّنها من نيل مبتغاها بطرق بعيدة عن الضجيج الإعلامي والإثارة والاتهامات المتبادلة.
بكلّ الأحوال، بدا أن الوضع اتجه بسرعة نحو الاستيعاب. وظهرت النية العراقية جلية لإبقاء الخلاف في أطره البعيدة عن التصعيد، والبعيدة خصوصاً عن الدور الأميركي في الحسم وفي التصريحات حتى.
وقد بدأت القصة باحتجاج المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، يوم الجمعة، على «قيام 11 جندياً إيرانياً بالسيطرة على حقل الفكّة النفطي وإقامة خيمة عسكرية إيرانية في مكان قريب»، وبمطالبة السلطات الإيرانية بـ«سحب المجموعة المسلحة التي احتلت البئر ونزع العلم الذي رفعه هؤلاء الرجال، لأن ما حصل اليوم هو انتهاك لسيادته».
كلام أدلى به الدباغ إثر اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني، برئاسة المالكي وحضور وزراء الداخلية والدفاع والخارجية والعدل والمال. وأقر الدباغ بوجود خلاف على ترسيم الحدود التي اختفت علاماتها خلال الحرب العراقية ـــــ الإيرانية بين 1980 و1988، وقال إن «إيران ترفض السماح بأي نشاط في الموقع النفطي في هذه المنطقة في غياب ترسيم الحدود». إلا أن الشركة الوطنية الإيرانية للبترول نفت السيطرة على البئر المذكورة. وبسرعة البرق، ارتفعت أسعار النفط خوفاً من أزمة قد تهدد منابع أهم منطقة نفطية في العالم.
إلا أنه، على عكس الأسلوب التصعيدي المعتمد في بغداد إزاء دمشق، ظهر إصرار عراقي على عدم التصعيد مع طهران. ودعا الدباغ «إلى عدم القلق لأنّ هذا الأمر سيُحَلّ بطريقة هادئة وبعيدة عن أي تصعيد عسكري». كلام واكبته حملة مواقف هجومية داخل العراق على «الاعتداء الإيراني»، من عدد من الأحزاب والنواب تصدّرتهم «هيئة العلماء المسلمين» والجبهة العراقية للحوار الوطني.
وعلى الفور، نقلت قناة «العالم» الإيرانية الحكومية، التي تبثّ باللغة العربية، بياناً عسكرياً إيرانياً نفى أن تكون القوات الإيرانية قد استولت على بئر نفط داخل العراق، بما أن «بئر النفط بيج أنكيزة أربعة تقع داخل الأراضي الإيرانية». وجاء في بيان لقيادة القوات المسلحة الإيرانية أن «قواتنا موجودة على أرضنا، وعلى أساس حدود دولية معروفة، وهذه البئر تعود إلى إيران».
واستدعت الحكومة العراقية السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي قمي لمناقشة الأمر معه. وقال متحدث باسم السفارة الإيرانية لدى العراق إن السفير أبلغ الطرف العراقي أن لجنة مشتركة تضم مسؤولين نفطيين وعسكريين من البلدين مسؤولة عن تسوية مثل هذه المشاكل. وأضاف: «سنحل هذه القضية بطريقة دبلوماسية».
وبحث وزيرا الخارجية هوشيار زيباري ومنوشهر متكي القضية هاتفياً، ووصفاها بأنها «سوء تفاهم بين قوات حدود البلدين في منطقة فكّة». وبحسب وكالة «مهر» الإيرانية، أكد الطرفان «ضرورة تأليف لجنة فنية حدودية مشتركة بين البلدين لتطبيق التوافقات الثنائية». وشددا على «أهمية مواصلة المشاورات الثنائية بين البلدين، بغض النظر عن الضجيج وتأليب الأجواء الذي تمارسه جهات أجنبية، بما يخدم مصالح البلدين الجارين ورغباتهما».
وللمنطقة، موضوع الخلاف الحالي بين البلدين، قصص طويلة في تاريخ العلاقات العراقية ـــــ الإيرانية. نفطياً، يقول وزير النفط العراقي السابق إبراهيم بحر العلوم إن البئر محل النزاع، هي واحدة من سبع آبار في الفكة، وتقع على مسافة 300 متر داخل الأراضي العراقية، وإن العراق هو الذي حفرها، معترفاً بأن البئر ظلت لعقود محل نزاع بين البلدين ولم تُنتج نفطاً إلا لفترة قصيرة بسبب هذه الخلافات.
وفي السياق، أشار قائد الفرقة الأميركية الرابعة في اللواء المدرع الأول المتمركز في المنطقة العقيد بيتر نيويل إلى «وقوع حوادث متكررة هناك»، موضحاً أن «موظفين في وزارة النفط العراقية يقومون بزيارة هذا الموقع كل ثلاثة أو أربعة أشهر لإصلاح مضخة أو لإجراء أعمال الصيانة، ويطلونه بألوان العلم العراقي، ويرفعون العلم العراقي. وعندما ينهون عملهم يعودون أدراجهم». وأضاف: «ما إن يذهبون، حتى ينزل الإيرانيون من التلة ويعيدون طلاء ألوان العلم الإيراني ويرفعون العلم الإيراني. لقد حدث ذلك منذ ثلاثة أشهر وهو يتكرر». وبحسب الضابط الأميركي، فإن هذا الحقل يبعد مسافة 500 متر عن الحدود، ومسافة كيلومتر واحد عن حصن عراقي.
وتوقف المراقبون ووكالات الأنباء عند الموقف الخافت الذي اتخذته قوات الاحتلال بداعي «المطّاطية» التي صيغت بها الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــــ العراقية التي توجب تدخل القوات الأميركية «في حالة طلب الحكومة العراقية». هكذا أمكن فهم تصريح المستشار الإعلامي للقوات الأميركية في العراق، نادر سليمان، الذي يفيد بأن دخول القوات الإيرانية إلى بئر في حقل الفكّة هو «شأن داخلي عراقي»، كاشفاً عن أن الحكومة العراقية لم تطلب من الإدارة الأميركية التدخل في هذه القضية.
وهنا تقع الحكومة العراقية في المحظور؛ فإن طلبت التدخل الأميركي، فتفقد صداقة إيران، وتكون كمن تستعدي الأجنبي على جيرانها. وإن لم تطلب التدخل، تكون ساقطة في نظر الشعب لأنها تتيح للآخرين استباحة الأراضي العراقية ونهب ثرواتها.
ساحة المعارك الكبرى
بكلّ الأحوال، بدا أن الوضع اتجه بسرعة نحو الاستيعاب. وظهرت النية العراقية جلية لإبقاء الخلاف في أطره البعيدة عن التصعيد، والبعيدة خصوصاً عن الدور الأميركي في الحسم وفي التصريحات حتى.
وقد بدأت القصة باحتجاج المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، يوم الجمعة، على «قيام 11 جندياً إيرانياً بالسيطرة على حقل الفكّة النفطي وإقامة خيمة عسكرية إيرانية في مكان قريب»، وبمطالبة السلطات الإيرانية بـ«سحب المجموعة المسلحة التي احتلت البئر ونزع العلم الذي رفعه هؤلاء الرجال، لأن ما حصل اليوم هو انتهاك لسيادته».
كلام أدلى به الدباغ إثر اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني، برئاسة المالكي وحضور وزراء الداخلية والدفاع والخارجية والعدل والمال. وأقر الدباغ بوجود خلاف على ترسيم الحدود التي اختفت علاماتها خلال الحرب العراقية ـــــ الإيرانية بين 1980 و1988، وقال إن «إيران ترفض السماح بأي نشاط في الموقع النفطي في هذه المنطقة في غياب ترسيم الحدود». إلا أن الشركة الوطنية الإيرانية للبترول نفت السيطرة على البئر المذكورة. وبسرعة البرق، ارتفعت أسعار النفط خوفاً من أزمة قد تهدد منابع أهم منطقة نفطية في العالم.
إلا أنه، على عكس الأسلوب التصعيدي المعتمد في بغداد إزاء دمشق، ظهر إصرار عراقي على عدم التصعيد مع طهران. ودعا الدباغ «إلى عدم القلق لأنّ هذا الأمر سيُحَلّ بطريقة هادئة وبعيدة عن أي تصعيد عسكري». كلام واكبته حملة مواقف هجومية داخل العراق على «الاعتداء الإيراني»، من عدد من الأحزاب والنواب تصدّرتهم «هيئة العلماء المسلمين» والجبهة العراقية للحوار الوطني.
وعلى الفور، نقلت قناة «العالم» الإيرانية الحكومية، التي تبثّ باللغة العربية، بياناً عسكرياً إيرانياً نفى أن تكون القوات الإيرانية قد استولت على بئر نفط داخل العراق، بما أن «بئر النفط بيج أنكيزة أربعة تقع داخل الأراضي الإيرانية». وجاء في بيان لقيادة القوات المسلحة الإيرانية أن «قواتنا موجودة على أرضنا، وعلى أساس حدود دولية معروفة، وهذه البئر تعود إلى إيران».
واستدعت الحكومة العراقية السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي قمي لمناقشة الأمر معه. وقال متحدث باسم السفارة الإيرانية لدى العراق إن السفير أبلغ الطرف العراقي أن لجنة مشتركة تضم مسؤولين نفطيين وعسكريين من البلدين مسؤولة عن تسوية مثل هذه المشاكل. وأضاف: «سنحل هذه القضية بطريقة دبلوماسية».
وبحث وزيرا الخارجية هوشيار زيباري ومنوشهر متكي القضية هاتفياً، ووصفاها بأنها «سوء تفاهم بين قوات حدود البلدين في منطقة فكّة». وبحسب وكالة «مهر» الإيرانية، أكد الطرفان «ضرورة تأليف لجنة فنية حدودية مشتركة بين البلدين لتطبيق التوافقات الثنائية». وشددا على «أهمية مواصلة المشاورات الثنائية بين البلدين، بغض النظر عن الضجيج وتأليب الأجواء الذي تمارسه جهات أجنبية، بما يخدم مصالح البلدين الجارين ورغباتهما».
تسبق الأزمة موعد اجتماع اللجنة المشتركة المكلفة ترسيم الحدود بشهر
ثم أعلن الدباغ، أمس، انسحاب القوات الإيرانية من البئر الرابعة لمسافة 50 متراً، وإنزال العلم الإيراني عنها، داعياً الحكومة الإيرانية إلى «سحب قواتها على نحو نهائي من المنطقة، وإعادة الأوضاع فيها إلى ما كانت عليه قبل استيلائها عليها لإتاحة المجال للجان المشتركة بين بغداد وطهران الخاصة برسم الحدود، ومزاولة عملها ووضع العلامات الحدودية على الحدود المشتركة».وللمنطقة، موضوع الخلاف الحالي بين البلدين، قصص طويلة في تاريخ العلاقات العراقية ـــــ الإيرانية. نفطياً، يقول وزير النفط العراقي السابق إبراهيم بحر العلوم إن البئر محل النزاع، هي واحدة من سبع آبار في الفكة، وتقع على مسافة 300 متر داخل الأراضي العراقية، وإن العراق هو الذي حفرها، معترفاً بأن البئر ظلت لعقود محل نزاع بين البلدين ولم تُنتج نفطاً إلا لفترة قصيرة بسبب هذه الخلافات.
وفي السياق، أشار قائد الفرقة الأميركية الرابعة في اللواء المدرع الأول المتمركز في المنطقة العقيد بيتر نيويل إلى «وقوع حوادث متكررة هناك»، موضحاً أن «موظفين في وزارة النفط العراقية يقومون بزيارة هذا الموقع كل ثلاثة أو أربعة أشهر لإصلاح مضخة أو لإجراء أعمال الصيانة، ويطلونه بألوان العلم العراقي، ويرفعون العلم العراقي. وعندما ينهون عملهم يعودون أدراجهم». وأضاف: «ما إن يذهبون، حتى ينزل الإيرانيون من التلة ويعيدون طلاء ألوان العلم الإيراني ويرفعون العلم الإيراني. لقد حدث ذلك منذ ثلاثة أشهر وهو يتكرر». وبحسب الضابط الأميركي، فإن هذا الحقل يبعد مسافة 500 متر عن الحدود، ومسافة كيلومتر واحد عن حصن عراقي.
وتوقف المراقبون ووكالات الأنباء عند الموقف الخافت الذي اتخذته قوات الاحتلال بداعي «المطّاطية» التي صيغت بها الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــــ العراقية التي توجب تدخل القوات الأميركية «في حالة طلب الحكومة العراقية». هكذا أمكن فهم تصريح المستشار الإعلامي للقوات الأميركية في العراق، نادر سليمان، الذي يفيد بأن دخول القوات الإيرانية إلى بئر في حقل الفكّة هو «شأن داخلي عراقي»، كاشفاً عن أن الحكومة العراقية لم تطلب من الإدارة الأميركية التدخل في هذه القضية.
وهنا تقع الحكومة العراقية في المحظور؛ فإن طلبت التدخل الأميركي، فتفقد صداقة إيران، وتكون كمن تستعدي الأجنبي على جيرانها. وإن لم تطلب التدخل، تكون ساقطة في نظر الشعب لأنها تتيح للآخرين استباحة الأراضي العراقية ونهب ثرواتها.
ساحة المعارك الكبرى