افتتاحية هآرتس
لأن تقرير لجنة الخارجية والأمن عن حرب لبنان الثانية ذُيّل بتوقيع 17 نائباً من كل ألوان الطيف السياسي، لا يمكن الادّعاء أن التقرير منحاز سياسياً؛ فاللجنة تُعنى بالرقابة على المؤسسة الأمنية كأمر اعتيادي، ولهذا فمن الطبيعي أن تحاول استخلاص الدروس من الحرب. وبدل مؤاخذتها بأنها لم تلقِ المسؤولية على القيادة السياسية، يجب قراءة ما ورد في التقرير، الذي يضاف ما فيه إلى المعلومات التي تجمعت عن الحرب. الصورة هي صورة جيش كفّ عن كونه جيشاً.
الجيش الإسرائيلي لم ينجح في الانتصار على حزب الله رغم أنه كان لديه ما يكفي من الوقت (أكثر مما يكفي من الوقت، برأي اللجنة)، والدعم الشعبي والدولي، وجنود الاحتياط الذين امتثلوا بإشعار قصير المدى، ووسائل قتالية أكثر من المطلوب وعدو قريب من الحدود.
التقرير يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يتصرف كجيش، ولهذا لم ينجح في تنفيذ المهمات التي كلفته بها الحكومة. لقد صيغ «المضمون الاستراتيجي» بلغة سياسية ولم يترجم إلى أهداف عسكرية. ثلاث مراحل كانت للحرب، حسب اللجنة، ولم يتمّ تعلّم أي درس عسكري في الانتقال بينها. فما ثبت فشله في المرحلة الأولى جُرّب مرة أخرى في المرحلة الثانية بطريقة مغايرة بعض الشيء. والحرب أُديرت بأساليب حزب الله بدل استغلال حقيقة كون الجيش الإسرائيلي جيشاً كبيراً.
مع أن الحكومة أمرت الجيش، ابتداءً من 19 تموز، بالعمل لوقف نار الصواريخ على إسرائيل كهدف أول ــــــ فإن الأمر لم ينفّذ. عدم وقف النار حتى نهاية الحرب ــــــ في اليوم الأخير أطلق 250 صاروخاً على إسرائيل ــــــ هو برهان على أن الجيش الإسرائيلي خسر في الحرب. وإذا كانت للحرب إنجازات استراتيجية، فإنها لا تنبع من النجاح في القتال، بل من مجرد الاستعداد للرد على اختطاف الجنود، وكذا من الدور الدولي الذي بلور شروط وقفها. ولعله بسبب الاحتكاك الكبير بين الجيش والحكومة، الأمر الذي دفع الوزراء للتحدث كقادة عسكريين والقادة للتفكير كسياسيين، نشأ تشوّش مريض في توزيع الأدوار.
الجيش الإسرائيلي لم يتصرّف كجيش حتى قبل الحرب ولم يعدّ الخطط العملياتية المقرّة تحسّباً لاحتمال حرب ضد حزب الله. وهذا استنتاج مثير للحفيظة إذا أخذنا بالاعتبار أن الحرب بادرت اليها إسرائيل. ما تقوله اللجنة في شأن كون عملية برية كبيرة منذ بداية الطريق كانت مفضّلة، يتجاهل أن مثل هذه العملية أيضاً كانت ستفشل.
إسرائيل كانت تملك ثلاثة خيارات بعد اختطاف الجنود: عدم الرد، الرد بحملة صغيرة، أو الرد بحرب شاملة. من كل هذه اختير شيء في الوسط، لم ينجح أحد في تعريفه. حملة صغيرة كانت ستؤدي إلى وقف النار وتوفر نار الصواريخ الكثيفة المتواصلة. حملة كبيرة كان ينبغي أن تأخذ بالحسبان النار والعمل على وقفها. ولكن الجيش لم يوظف جهداً في وقف النار.
لجنة الخارجية والأمن تصف جيشاً لا يؤدي دوره كجيش، لا بالمعنى المراتبي، ولا بالمفهوم البنيوي، لا بالجاهزية العملياتية واللوجستية، ولا بترجمة قرارات الحكومة في الميدان، لا بالقدرة على الحسم، ولا حتى بالتطلع إلى النصر. حتى من لا يسارع إلى شن حرب أخرى ينبغي له أن يكون قلقاً من هذا الوصف للوضع.