معاريف ــ بن كسبيت
يطرح بن كسبيت، في ما يلي، جردة للوضع القائم قُبيل مؤتمر السلام الدولي المقرر عقده هذا الخريف، مع لمحة تشير إلى المكان الذي بلغته المفاوضات حول مجموعة من القضايا، مع محاولة لاستشراف الصعوبات التي تعترض نجاح هذا المؤتمر


  • متى سينعقد المؤتمر في واشنطن؟ ومن الذي سيشارك فيه؟ وماذا سيتضمن جدول أعماله؟

  • - لا أحد يعرف بالضبط في هذه المرحلة. كوندوليزا رايس كانت هنا في الأسبوع الماضي ولم تحدد بعد موعداً لانعقاد المؤتمر المفترض به أن يعطي دفعة لعملية السلام ويتزامن مع المسعى الأخير لإدارة الرئيس جورج بوش للرحيل مع إنجاز.المخطط الأساسي كان الاجتماع في الأسبوع الذي يبدأ في الحادي عشر من تشرين الثاني. ليس هناك اتفاق نهائي بعد حول الموعد. المعارضة الأساسية تأتي من أوساط فتح أبو مازن، وخصوصاً قدامى المفاوضين مع إسرائيل، يقولون إنه من المحظور تكرار الخطأ التاريخي لكامب ديفيد 2000. حينئذ، توسل ياسر عرفات أمام بيل كلينتون لتأجيل المؤتمر وإعداده بصورة دقيقة. الأميركيون المتهورون وغير المنظمين استخفوا بطلبه. النهاية معروفة. الآن في ظل المصاعب السياسية المتزايدة التي يواجهها إيهود أولمرت والتمرد الصغير في كديما، قد يكون هناك تأجيل جديد. على هذه الخلفية ليس واضحاً بعد أيضاً من الذي سيشارك ومن لا.

  • ماذا عن السعوديين؟

  • في هذه المسألة، ليست المشاركة هي المهمة بحد ذاتها، وإنما المستوى. بإمكان السعوديين أن يرسلوا ممثلاً متدني الرتبة مثل السكرتير الثاني في سفارة من السفارات، إذا أدركوا أن المؤتمر يتحول إلى مسألة عديمة القيمة. إذا قدر السعوديون، في المقابل، بأنها خطوة دراماتيكية مع تقدم حقيقي، فسيرفعون من مرتبة الممثلين. لديهم قائمة من الشروط. الأول: «الجدية في المضامين وإنجاز حقيقي». الثاني: «جدول زمني مفصل للتسوية». هذه مسألة سنتطرق إليها لاحقاً. الثالث: «أن تقوم الولايات المتحدة بدعوة سوريا ولبنان أيضاً». التقدم الحقيقي يحدث حالياً في كل ما يتعلق بالشرط الثالث. أبو مازن تحدث مع إيهود أولمرت في لقائهما الأخير حول رغبته في دعوة سوريا إلى المؤتمر.
    رد أولمرت أسقط أبو مازن عن كرسيه. «لقد كان متحمساً»، قال أبو مازن بعد ذلك لأتباعه. أولمرت أكثر من متحمس. مقربوه قالوا في هذا الأسبوع الأمور المذهلة التالية: من الممكن أن تكون هناك فرصة تاريخية نادرة. ما حدث أو لم يحدث بيننا وبين سوريا يمكنه تحديداً أن يدفع بالجانبين إلى استئناف المفاوضات. أو على الأقل مشاركة سوريا في مؤتمر تشرين الثاني. هناك مؤشرات أيضاً في القدس على أن بشار (الأسد) قد شعر بالرضى من تصريح أولمرت بأنه «يحترم» الرئيس السوري. خافيير سولانا، الذي يدير الاتصالات مع دمشق في الآونة الأخيرة، قال إن هناك شعوراً حذراً بالرضى من هذا التصريح في الحكم السوري.

  • ما الذي يحرك أولمرت؟

  • - ربما أدرك فعلاً وأخيراً أن إخراج سوريا من محور الشر هو مصلحة استراتيجية إسرائيلية من الدرجة الأولى. أو أنه يحاول من خلال هذه الخطوة جلب السوريين حتى يجلبوا السعوديين الى واشنطن كي تسنح أمامه فرصة التقاط صور جذابة تكسبه بعض الأسهم في الرأي العام، شريطة ألا يتفوه بيبي (بنيامين نتنياهو) بأي شيء طبعاً.
    أبو مازن وأولمرت تحدثا في لقائهما عن أن «العقبة الأساسية أمام دعوة السوريين هي الولايات المتحدة». الاثنان اتفقا على التعاون في إقناع الأميركيين. أبو مازن وأولمرت يعتقدان أنهما سينجحان في تغيير الموقف الأميركي معاً.
    مشاركة السعوديين ستفضي إلى سيل من المشاركين من الخليج: قطر وعُمان والإمارات وغيرها.

  • ما الذي يحدث بالفعل بين أبو مازن وأولمرت؟

  • - قصة حب. هناك انسجام ممتاز ومحادثات طويلة في عمق الليل وتفاهم متبادل. لقد فوجئا بصورة إيجابية من بعضهما البعض.

  • ما هو الشيء الأكثر مفاجأة بالنسبة لأبو مازن عند أولمرت؟

  • - أولاً، المرونة والانفتاح. ولكن الأمر الأكثر مفاجأة، على حد قول أبو مازن، هو مستوى جهل أولمرت بكل ما يتعلق بتاريخ المفاوضات والمواقف الحقيقية للفلسطينيين. يتبين أن أولمرت يعرف عن الاتصالات بين الجانبين في العقد الأخير ما قرأه في الصحف فقط. كما انه لا يحيط به أناس كانوا في هذه الحكاية سابقاً وراكموا التجربة ليشكلوا أرشيفاً للصراع، ولكل الجهود والمساعي التي بذلت لحله. هذا محزن. من هنا أوشك أولمرت على السقوط عن كرسيه تقريباً عندما اكتشف أن أبو مازن لا يصرّ بالمرة على تضمين عبارة عودة اللاجئين إلى إسرائيل في حل هذه القضية.
    أبو مازن يطالب بذكر القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة فقط. لهذا القرار تفسيرات كثيرة، والفلسطينيون مستعدون لصياغة تفسير يضمن بألا تكون هناك عودة ممأسسة للاجئين إلى داخل إسرائيل. أولمرت لم يكن على علم بكل ذلك.

  • هل يعني ذلك أنهما قريبان من التسوية؟

  • - ليس بالضرورة. أبو مازن يقول إنه لو كان أولمرت مستعداً لكتابة كل ما يقوله لكانت هناك تسوية منذ زمنأولمرت يقول إنه لو كان أبو مازن مستعداً لتنفيذ كل ما هو مستعد لكتابته، لكان السلام هنا منذ مدة. كلاهما مقيدان وضعيفان. الفجوات بين الجانبين ليست بسيطة كما تبدو في الوقت الحالي. الشيطان كما نعلم يختبئ وراء التفاصيل الصغيرة. الفلسطينيون يريدون وثيقة شمولية وواسعة قدر المستطاع. أما الإسرائيليون فيريدون العكس: وثيقة مقلصة قدر الإمكان. أولمرت يعرف أنه لا يستطيع جلب «إعلان مبادئ» مفصّل كما يريد أبو مازن.

  • أين وصلت قضية اللاجئين بالفعل؟

  • - هنا بالتحديد يوجد تقدم. أولمرت يشعر، كما أسلفنا، بالمفاجأة من المرونة الفلسطينية، ومن أن كل الفلسطينيين الذين يحاورهم يعرفون بأنه لن تكون هناك عودة للاجئين إلى داخل إسرائيل. «متى سمعتني أطالب بحق العودة إلى إسرائيل؟»، سأل أبو مازن أولمرت، «نحن نطالب بحق العودة إلى فلسطين. وأين هي فلسطين؟ هذا ما سنتفق عليه». أولمرت قال خلال ظهوره أمام لجنة الخارجية والأمن هذا الأسبوع إن «أبو مازن وسلام فياض يريدان صنع السلام معنا ويؤيدان حل الدولتين. إذا لم نتوصل إلى السلام معهما فلن نتوصل إليه مع أي أحد. أنا أرى هنا فرصة لن تتكرر. إذا لم ننجح هذه المرة فسنُقتل ونقتل لسنوات طويلة مقبلة».

  • هل توجد صياغات متقدمة في قضية اللاجئين؟

  • - أجل. الفلسطينيون يطالبون بذكر القرار الدولي 194. إلا أنهم يوافقون على أن يضفي الاتفاق على هذا القرار مضموناً تفسيرياً وفقاً لمطالب إسرائيل. على سبيل المثال: يكون حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين، ويكون هناك حق عودة للاجئين وفقاً للقرار 194 بموافقة إسرائيل، وضمن الشروط الآتية: حق عودة غير محدود للدولة الفلسطينية؛ حق عودة محدود لإسرائيل، بموافقة إسرائيل فقط في حالات خاصة وإنسانية؛ إضافة إلى ذلك سيكون هناك اعتراف بالمعاناة والضرر والتزام ببرنامج تأهيل دولي ضخم وتعويضات. هذه المشاريع قد عُرضت سابقاً، وبعضها يُعدّ هنا، وأبرزها ما يتبلور بين تسيبي ليفني وستيف فارتهايمر وكُشف قبل عام في صحيفة «معاريف».

  • أين وصلت قضية الأرض؟

  • - لا يزال هناك خلاف. الفلسطينيون يريدون ذكراً صريحاً للدولة في خطوط حزيران 1967. أولمرت في الوقت الحالي ليس مستعداً لذكر هذا المصطلح القابل للانفجار لاعتبارات سياسية. الدكتور صائب عريقات يقول، وفقاً لذلك، «حسناً، نحن نريد دولة فلسطينية تمتد على 6.205 كيلومترات مربعة، وهي مساحة الضفة. مستعدون لتبادل الأراضي في كل إطار تقترحونه شريطة أن تكون من أراضي الدولة. التبادل الثلاثي والرباعي مع دولة ثالثة، أو من دون دولة ثالثة، المهم أن نحصل على المساحة بالمقدار نفسه. هذه المشكلة قابلة للحل».

  • ماذا عن الجدول الزمني؟

  • الفلسطينيون يطالبون بجدول زمني مفصل ومتشدد. في المقابل، هم مستعدون للبدء بالبيان المشترك تحت شرط الاتفاق بألا يحدث على الأرض أي شيء حتى استكمال المرحلة الأولى من خريطة الطريق التي يجب عليهم خلالها أن يبرهنوا عن مكافحة الإرهاب وإجراء إصلاحات وجمع السلاح غير القانوني. بعد ذلك، يجب، بحسب قولهم، الدخول في عملية التطبيق السريع. وفقاً لإحدى الروايات، هم يطالبون بالشروع في التطبيق في عهد جورج بوش، هذا يعني أكثر من سنة بقليل. واستكمال التطبيق خلال ثلاث سنوات. أولمرت لا يستطيع أن يتعهد بمواعيد كهذه.

  • ماذا عن القدس؟

  • هنا أيضاً يبدي الفلسطينيون مرونة معينة. مستعدون لـ«عاصمة للدولتين» أو بصورة أخرى «مدينة موحدة تكون عاصمة للدولتين»، ومستعدون لقبول تسوية خاصة في الحوض المقدس. حاييم رامون يؤكد أنه من المحظور الدخول في تفاصيل التسوية الخاصة في الاتفاق التمهيدي أو في إعلان المبادئ. الفلسطينيون يوافقون على ألا تكون هناك سيادة محددة على الحرم. هذا تنازل كبير من وجهة نظرهم. أما عندنا فالوضع ليس واضحاً بعد. عموماً الفلسطينيون يقولون إن الأمور الدقيقة في اتفاق الإطار ليست هي الأساس.

  • ما هو الأساس من وجهة نظر الفلسطينيين؟

  • - عدم ارتكاب الأخطاء التي ارتكبت في كامب ديفيد، على حد قولهم. أبو مازن يعتقد أن اعتراف الجامعة العربية بالاتفاق أهم من الاتفاق نفسه. ويرى أنه «من دون تأييد العالم العربي المعتدل لن يكون بمقدورنا أن نذهب معكم إلى أي مكان». الفلسطينيون يطالبون الولايات المتحدة ببذل أقصى جهودها في هذه القضية، ولكن الأميركيين، كعادتهم، يجرّون أرجلهم بتثاقل. تماماً مثلما لم يُحضّروا لمؤتمر كامب ديفيد في حينه كما يجب. أبو مازن يتنقل بين العواصم العربية ولكن ذلك ليس كافياً. هذا بالمناسبة سبب رغبة الفلسطينيين في تضمين وثيقة التفاهم التي سيتم التوصل إليها (أو لا) عبارة مبدئية حول كونها ملائمة لمبادرة السلام العربية.

  • من هو الضروري أيضاً لنجاح هذا الاتفاق؟

  • - مروان البرغوثي. كل شيء يمر من خلاله. كما أنه مطّلع على تفاصيل المفاوضات بكل دقائقها الحساسة جداً ويعطي ضوءاً أخضر. للبرغوثي مطلب خاص به: الاتفاق يجب أن يشمل عبارة أنه «في نهاية الصراع سيتم إطلاق سراح كل السجناء الفلسطينيين». الأمر يتعلق بعقبة قابلة للجسر: أولاً، أولمرت نفسه قال في هذا الأسبوع بأن الصراع سينتهي بعد فترة طويلة، وأن الاتفاق الدائم الحقيقي للتطبيق يمكن أن يحدث فقط بعد 20 ـــ 30 سنة. حتى ذلك الحين أغلبية السجناء الفلسطينيين لن يكونوا سجناء أصلاً. ثانياً، من الممكن تضمين هذه العبارة من دون كلمة «كل»، وإنما فقط ذكر «السجناء الفلسطينيين»، ومن هنا سيقوم كل واحد بالتفسير وفق إرادته.

  • من يقود المفاوضات في الجانب الإسرائيلي؟

  • اختار أولمرت تعيين مقرّبين اثنين له: يورام توربوفيتش وشالوم ترجمان، مدعومين بأهارون أبراموفيتش المحسوب على تسيبي لفني والعميد مايك هيرتسوغ، رئيس طاقم وزير الدفاع. كل هؤلاء الأشخاص ممتازون. السؤال هو ما إذا كانوا ملائمين للبازار المفعم والخاص في مواجهة الفلسطينيين. البعض يتشكك ويرى أن غالبية أعضاء هذا الطاقم عموماً لا يعرفون ما هي المفاوضات مع الفلسطينيين وليست لديهم تجربة، وهم لا يعرفون الحيل ولن يكون لديهم حبل لشده أو هامش للمناورة. على الجانب الفلسطيني، الصورة معاكسة تماماً: أبو العلاء، عريقات، عبد ربه. ثلاثة ثعالب تعرف الجانب الإسرائيلي بكل تفاصيله ومطّلعة على كل كلمة قيلت أو كتبت في الماضي بين الجانبين، وتعرف كل الحيل المكتوبة أو غير المكتوبة في الكتاب. في دائرة أولمرت يقولون «هذه ليست قوات».

  • هل هناك إمكانية لأن يؤدي المؤتمر الى التدهور بدلاً من الاستقرار؟

  • - بالتأكيد. إذا عاد أبو مازن من هناك مهاناً فسيتدمر كل شيء. هذا هو سبب الحديث الآن عن ضرورة ضم رزمة خطوات إيجابية لأبو مازن إذا كان البيان عديم الأهمية ومبهماً، الأمر الذي سيحوله إلى بطل الشارع الفلسطيني وينقذ ماء وجهه. شيء مثل إطلاق سراح جوهري للسجناء وتسليم حي واحد أو اثنين من ضواحي القدس للإشراف البلدي الفلسطيني، وربما حتى استعداد لتقصير مسار الجدار بعدة نسب مئوية (في الموقع الذي ستقوم فيه محكمة العدل العليا بذلك أصلاً).
    إطلاق سراح السجناء يستوجب التوسع والإفاضة: هذه خطوة دراماتيكية تنضج الآن في القدس، سيتم في إطارها إطلاق سراح مئات وربما أكثر (2000) سجين، الأمر الذي سيحول أبو مازن إلى بطل فلسطيني بين ليلة وضحاها. الخطة كشفت في حينه في صحيفة «معاريف» على لسان الرئيس شمعون بيريز. الآن يتبين أن هناك مؤيدين آخرين لها.

  • ماذا نتوقع في الخريف؟ السلام أم الحرب؟

  • - لا أحد يعرف. ثمة مكان لبعض التفاؤل وبعض التشاؤم. الأمر يمكن أن يتنامى وفي الوقت ذاته يمكن أن ينفجر. إذا سألنا حاييم رامون فمن الواجب أن تكون الورقة المتفق عليها بين الجانبين عمومية وغير ملزمة، ولكنها تشكل إطاراً لمفاوضات حقيقية بينهما، لا فترة انتظار طويلة. من الناحية الأخرى، ستبذل «حماس» كل ما في وسعها لتفجير المسألة. «حماس» تعرف أن عودة أبو مازن من واشنطن مع اتفاق (إذا سافر إلى هناك أصلاً) ستعدّ مشكلة وجودية بالنسبة لها. مع مرور الأيام ستتزايد المساعي الهائلة لتنفيذ عملية كبيرة تعرقل الاتصالات. قسام واحد يسقط في الوقت المناسب وفي المكان الصحيح يمكنه أن يمنعنا من السفر إلى واشنطن في تشرين الثاني، وأن يدخلنا، في ضجيج وجلبة كبيرين، إلى قطاع غزة في تشرين الأول.