شموئيل روزنر ــ «هآرتس»
ثمّة خلل حدث لعضو الكونغرس كريس فان هولين. فمن دون أن يقصد، وجد نفسه في معسكر أعداء اسرائيل. كل ما أراده بالإجمال هو وقف فوري لإطلاق النار في لبنان. قبل اسابيع، وفي ذروة الحرب، بعث برسالة إلى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، طلب فيها أن تفعل شيئاً. كان قصده مهاجمة ادارة بوش، ما يُفترض أن يفعله الديموقراطي عشية الانتخابات، لكن اتضح فجأة أن الأمور لا تُرى على هذه الصورة من أنصار اسرائيل. لذلك، استُدعي فان هولين للقاء غير سهل مع نشطاء «ايباك»، اللوبي المؤيد لإسرائيل.
كان ثمة من قبل توضيحه ــ هو لم يعتذر، بل فسّر أقواله فقط ــ لكن كان أيضاً ثمة من رأى أن هذا ليس كافياً، وأن فان هولين تجاوز الحدود. ثمة فرضية، في أساس الدعم الاميركي لإسرائيل، تفيد بأن هذه المسألة غير خلافية. فمن الممكن مهاجمة بوش، لكن ليس على حساب اسرائيل. فولاية ميريلاند، التي يخوض هولين المنافسة فيها، هي منطقة ديموقراطية جدّاً، وفيها عدد كبير من اليهود، الذين سيكون بينهم من سيعيد النظر في تصويته.
ستدخل الحملة الانتخابية الخاصة بمنتصف الولاية، الاسبوع المقبل، في مسار حثيث، وفي نهاية المطاف، سينتصر الديموقراطيون كما يبدو. سيحتلّون مجدّداً مقاعد مجلس النواب بعد عشر سنوات من سيطرة الجمهوريين عليه، وقد ينجحون في السيطرة أيضاً على مجلس الشيوخ. حتى سنة 2008، ستبدو الحياة السياسية مغايرة. رئيس من دون غالبية في الكونغرس، ومجلس شيوخ يشغل بعض اعضائه الكبار في محاولة الوصول للرئاسةالناخبون الديموقراطيون متحمسون للانتصار. تأييدهم اسرائيل مستقرّ، إلا أن مواقفهم مغايرة لمواقف الجمهوريين. تحدّث استطلاع «فاو»، الذي أُجري قبل ثلاثة اسابيع، عن ردّ مثير على سؤال: الى أي مدى يتعين على الولايات المتحدة أن تكون ضالعة في ما يحدث في لبنان؟ غالبية الجمهوريين ترى أن الادارة الأميركية تتدخل في الأزمة بالقدر المطلوب، أما الديموقراطيون فرأوا، بنسب أكبر بكثير، أن على الولايات المتحدة أن تكون «أكثر تدخلاً» و«أقل تدخلاً» في آن واحد. وهم بذلك عبّروا عن النهجين اللذين يجدان تعبيراً عنهما في صفوف ناخبي اليسار: النهج الذي يطالب بتدخل ديبلوماسي لتسوية النزاعات، والنهج الذي ينادي بالابتعاد عن مثل هذه البؤر.
ستتأثر القضايا المركزية المطروحة على جدول الاعمال في الشرق الاوسط، بالضرروة، بانتصار الديموقراطيين. غالبية الناخبين الديموقراطيين لا يؤيدون الانسحاب الفوري من العراق حتى الآن، لكنهم قد يُغيّرون رأيهم. سيفضّلون التخلص من المشكلة وعدم تركها للرئيس المقبل الذي قد يكون واحداً منهم. أما بالنسبة إلى إيران، فسيواجهون معضلة: هل يلتفّون على الرئيس من اليمين ويعزّزون بذلك صورتهم الأمنية، أم يطرحون خطّاً معتدلاً يُظهر الادارة كمن يخاطر بأميركا بالتورط في مغامرة عسكرية اضافية.
ليس ثمة خشية من تغيير جوهري في توجه الكونغرس الأساسي نحو اسرائيل. هذا ما تُطمئن إليه كل أطراف اللوبي التي تنشط للحفاظ على هذا النهج. وهذا ما برهنت عليه السنون الطويلة الماضية، أي استمرار الدعم بصورة عامة، لكن التفاصيل مهمّة أحياناً.
الكونغرس المنخرط في مجابهة مع الادارة، قادر على التوافق مع سياستها أو مهاجمتها. فالطريق أمامه مفتوحة كي يهاجم من اليمين ومن اليسار. نجح أنصار اسرائيل، تقليدياً، في الحفاظ على مكانتها قضية فوق الأحزاب، وأن لا خلاف جوهرياً حولها. لكن هذه المهمة قد تصبح أكثر تعقيداً الآن:ما دامت شؤون اسرائيل على هامش جدول الاعمال الاميركي، فإن من الأسهل على حزب المعارضة أن يتنازل عن استخدامها وسيلة مناكفة للإدارة ــ مسألة غير خلافية. لكن عندما تكون المسائل المتعلقة باسرائيل مطروحة في صلب جدول الأعمال بالنسبة إلى السياسة الخارجية الاميركية، يصبح الإغراء أقوى، وتزداد الصعوبة.
الأزمة في ايران ولبنان، والإرهاب والمواجهة مع الاسلام، والدمقرطة في الشرق الاوسط وأسعار النفط ــ كل هذه الامور مسائل تتعلق بإسرائيل مباشرة. فهل يستطيع الكونغرس الديموقراطي أن يتجنّب استخدامها ضد الرئيس ولو على حساب اسرائيل أحياناً؟ هذا سؤال مثير للفضول ويحمل في طياته اختباراً مهمّاً. الرد الجزئي الذي قدمه كريس فان هولين لا يُبشر بحياة سهلة بالضرورة.