تبدو ورقة اللاجئين جاهزة للاستخدام عند أي إشارات على عمليات عسكرية
ويصعب الحكم على جدية أنقرة في تنفيذ الإجراء المذكور، لكن المؤكد أنه بات أمراً ممكناً بـ«أقلّ الخسائر»، حال توافر شرطين أساسيين: أولهما الإرادة التركية، وثانيهما التزام «هيئة تحرير الشام». وتقول مصادر معارضة مواكبة للمشهد في إدلب، إن «تحرير الشام قد حصلت على مغريات كثيرة لتنفيذ هذا الالتزام، على رأسها إطلاق يدها في معظم مناطق إدلب، وضمان تمكينها من إدارة شؤون المحافظة». وتفرض تعقيدات وحسابات كثيرة نفسها على زعيم «تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، على طريق تنفيذ هذا البند، ولو توافرت لديه الرغبة والنيّات. وعلى رأس تلك التعقيدات استمرار التباين في وجهات نظر «مراكز الثقل» داخل «الهيئة» إلى هذه الخطوة، ما بين متحمّس ومتحفّظ ورافض. برغم ذلك، تُجمع مصادر عدة على أن «اتّخاذ الجولاني هذا القرار بات اليوم أسهل بكثير، بعدما عمل طوال الفترة السابقة على ترتيب الأجواء الداخلية».
ويبدو مُسلَّماً به، أن أنقرة لن تسعى إلى إمرار تنفيذ التوافقات فرضاً، لجملة أسباب تتمحور حول إدارة العلاقة مع «الهيئة» بدقة، وبما يزيل مخاطر انزلاقها نحو المفاجآت. ويتعلّق الأمر في الدرجة الأولى بالخشية من ردود فعل انتقامية (تفجيرات وهجمات انتحارية) قد يغامر بعض «العناصر الجهاديين غير المنضبطين» في الإقدام عليها (للمفارقة، يبدو هذا الهاجس حاضراً أيضاً في حسابات الجولاني). ولا يزال الخطاب «القاعدي» داخل إدلب يحافظ على لهجة رافضة لـ«تحويل قضية الجهاد إلى بيدق على رقعة المصالح». ويتبنّى هذا الخطابَ كلٌّ من تنظيم «حراس الدين» و«جبهة أنصار الدين»، وبعض المجموعات «القاعدية» الصغيرة. ويتبّناه عدد من «المهاجرين» (وهم «الجهاديون» غير السوريين) الذين يخشون أن تُفضي التنازلات إلى إخراجهم من المشهد في نهاية المطاف.
ووسط هذه المعمعة، يغدو الرهان على التزام أنقرة تنفيذ مسؤولياتها المعلّقة، ضمن مهلة زمنية محدودة، ضرباً من التفاؤل المفرط. تأسيساً على كلّ ما تقدم، قد يصحّ تصنيف تطورات أمس في خانة الجهود التركية المستمرة لشراء الوقت، والحرص على إعادة تبريد الجبهات، سواء لأسباب داخلية ترتبط بالانتخابات البلدية القريبة، أو إقليمية يكمّلها مشهد شرقيّ الفرات وسجالات «المنطقة الآمنة» المستمرة. ولا تبدو الحسابات التركية غافلةً عمّا يمكن أن تؤول إليه الأمور إذا ما انقضى الوقت، وعاد التصعيد في صورة أكبر. وتبدو ورقة اللاجئين جاهزة للاستخدام عند أي إشارات على عمليات عسكرية مستقبلية، لا يجري التنسيق في شأنها مع أنقرة. وربّما كان أبرز ما تضمّنه كلام وزير الدفاع التركي أمس، قوله إنه «إذا استمرت الهجمات وبدأت الهجرة، فإن لجوء 3.5 ملايين شخص لن يكون فقط إلى تركيا وأوروبا، بل إلى الولايات المتحدة أيضاً».