اتفاقية المنطقة الآمنة مهمة جداً في هذه اللحظة من الكباشات الإقليمية والثنائية بين أنقرة وواشنطن:
1- هي تحقيق لحلم تركي عمره من عمر الأزمة في سوريا. وإذا كانت تركيا ترى سابقاً في المنطقة الآمنة وسيلة للضغط على النظام السوري وإسقاطه، فإن هدفها اليوم تعزيز دورها في سوريا كلاعب ميداني وسياسي، وإضعاف الجانب الكردي، والتقدم خطوة نحو الهيمنة على الشريط الحدودي داخل سوريا الذي كان ضمن حدود «الميثاق الملّي» لعام 1920، وبالتالي تمديد الحضور التركي المباشر من إدلب فعفرين وجرابلس إلى منطقة شمال شرقيّ الفرات.
2- الاتفاق خطوة متقدمة على طريق تطبيع العلاقات التركية ــــ الأميركية. فللمرة الأولى، تتفق الدولتان على خطوة طالما كانت موضع خلاف بينهما. كذلك فإن توقيتها مهمّ لرأب الصدع، ولا سيما بعد صفقة صواريخ «إس 400». ويُظهر الاتفاق أن واشنطن قدمت تنازلاً مهماً لتركيا، على أمل إعادتها إلى الحضن الأميركي من جديد في إطار الصراع الأميركي مع روسيا وإيران.
الاتفاق خطوة متقدمة على طريق تطبيع العلاقات التركية ـــ الأميركية
3- الاتفاق يقوّي موقع تركيا في الأزمة السورية، ويضع بيدها ورقة ضغط مهمة على «حلفائها» الروس والإيرانيين، ويوسّع هامش المناورة أمامها. وبالتالي، سيزيد من تعنتها في تطبيق اتفاق أستانا في شأن إدلب، كما سيُدخل مسارات الوضع في سوريا في متاهات جديدة.
4- يُظهر الاتفاق أن الولايات المتحدة باتت عاجزة عن التمسك بموقفها في حماية «حلفائها» (وحدات الحماية الكردية)، وبات همّها الأول منع تعرّض تلك «الوحدات» للأذى، وإبقاء جسمها العسكري سليماً من دون معرفة وجهة استخدامها لاحقاً: هل لحماية المناطق الباقية التي توجد فيها خارج المنطقة الآمنة أم لمهمات أخرى؟
5- ثمة سؤال أساسي عن موقف «وحدات الحماية الكردية» من الاتفاق. فقد عبّرت القيادات الكردية قبل أيام عن رفضها مشاركة تركيا في الدوريات داخل المنطقة المقترحة، وطالبت بقوات دولية أو أوروبية، فهل ستوافق اليوم على الاتفاق أم تعلن رفضها له؟ خصوصاً أنه في حال تطبيقه، سيكون انتصاراً كبيراً لتركيا على الأكراد من دون إراقة نقطة دم تركية واحدة. والأمر سيّان هنا بين أن تقوم تركيا بعملية عسكرية، أو تدخل المنطقة سلماً تحت ستار الدوريات المشتركة مع انسحاب المقاتلين الأكراد منها. لذا، فالموقف الكردي سيكون محرَجاً جداً في حال قبول الاتفاق، وسيجد صعوبة في تبرير الموافقة عليه أمام جمهوره.
6- وفي اتصال بالموقف الكردي، سيكون الاتفاق، حال تطبيقه، ضربة قوية لمشروع الإدارة الذاتية في منطقة «روج آفا» من كل النواحي الجغرافية والاجتماعية والسياسية، التي من أجلها كانت تفشل المحادثات بين الأكراد والدولة السورية. فالكلام في الاتفاق عن عودة اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة، استهداف مباشر لديموغرافية المنطقة من جانب تركيا، لمصلحة فئات من أصول تركمانية أو عربية موالية لها على حساب الوجود الكردي ذي الغالبية في بعض أجزاء المنطقة الآمنة.
7- والتساؤل هنا عمّا إذا كان الأكراد سيعيدون النظر في موقفهم من التعاون مع أميركا، وبالتالي يعاودون التواصل مع دمشق؟ أم سيرضخون للإملاءات الأميركية والتهديد بتركيا ليبقوا إلى جانب واشنطن؟
8- تبقى دمشق الغائب الأكبر عن معظم الاتفاقيات المتعلقة بسيادتها من اتفاقيات سوتشي وأستانا، إلى اتفاق المنطقة الآمنة اليوم. وبطبيعة الحال، سترفض دمشق اتفاق أنقرة جملة وتفصيلاً، وسيدفعها إلى الضغط أكثر على روسيا لاستعادة إدلب. ويكشف الاتفاق أيضاً تضليل أنقرة بأنها مستعدة لتطبيق اتفاق أضنة 1998 لضمان أمن حدودها مع سوريا، ويُدخل العلاقات التركية ـــ السورية في مزيد من انعدام الثقة والخصومة. وهذا ينقل الكلام إلى الموقف الروسي من اتفاقية المنطقة الآمنة، ومما بعدها، وفي مقدمها إدلب.