جوبهت الروابط بمقاومة شعبية عنيفة، تطوّرت إلى تنفيذ عمليات اغتيال طاولت عدداً من رؤسائها
بالنسبة إلى أحمد جودة، وهو صحافي وناشط «فتحاوي»، فإن ثمّة مجموعة من الظروف التي خلقتها تل أبيب في تعاطيها مع رام الله منذ سنوات، هيّأت الواقع «الضفاوي» لإعادة إنتاج «روابط القرى» في «اليوم التالي لحلّ السلطة، أو سقوطها ذاتياً». ويرى جودة، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «السلوك الإسرائيلي منذ سنوات يتعمّد إضعاف السلطة وتهميشها، وإظهار عدم سيطرتها على الأرض والقرار، بالتالي إسقاطها شعبياً وجماهيرياً»، معتبراً أن «العمل على إنتاج قيادات جديدة تقوم بالدور نفسه الذي أدّته شخصيات روابط القرى غير مستبعَد، بالنظر إلى حاجة كثير من السكّان إلى الهدوء، والمحافظة على مصالحهم الاقتصادية والحياتية». ومن بين الظروف التي تمهّد لسيناريو كهذا، تقطيع أوصال الضفة جغرافياً، إذ إن «هناك مدناً كاملة مُحاطة بالجدار من جهاتها الأربع، ويمكن لمدينة مثل قلقيلية، والحال هذه، أن تصبح كونفدرالية بذاتها، تَحكمها شخصية متنفّذة تنسّق مع الإدارة المدنية الإسرائيلية رأساً»، بحسب جودة.
لكن الناشط السياسي، جواد ضرغام، يعتقد أنه لا الظروف المجتمعية ولا السياسية ولا الميدانية تسمح بإعادة إنتاج تجربة منتصف السبعينيات. ويبيّن ضرغام، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «مشروعاً كهذا احتَرق وأسقطته الجماهير منذ مطلع الثمانينيات، على رغم عدم وجود تجربة حزبية ناضجة في ذلك الحين، إلّا أن الضغط الشعبي وبعض عمليات الاغتيال، والتعرية المعنوية لرجالاته، أسهمت في تفكّكه». ويضيف: «اليوم، تتصاعد المقاومة المسلّحة والشعبية في الضفة، وتتمدّد الفصائل فكراً وتنظيماً في جذور المجتمع، كما أن المرحلة التي طرحت فيها تلك الشخصيات نفسها بديلاً للمنظّمة وحركة فتح، لم يكن فيها البديل الحزبي حاضراً على الأرض، أمّا اليوم، فإن البدائل الحزبية حاضرة، والوعي المجتمعي كبير، ولا يمكن لأيّ من القيادات العشائرية أو الوطنية، تقديم رأسه على المقصلة، عبر الدخول في إطار كهذا».
من جهته، يجد الكاتب إسماعيل محمد أن إسرائيل ليست محتاجة إلى إعادة إنتاج «روابط القرى» بشكلها المعلَن، إذا وجدت مَن يقوم بأدوار تلك الروابط في إطار رسمي وشرعي. ويقول محمد، في حديث إلى «الأخبار»: «يوم شَكّلت إسرائيل روابط القرى، كانت المنظّمة تقاتل جيش الاحتلال في الساحات كافة، فيما بلغ الدعم الإسرائيلي لتلك الروابط أعلى مستوياته، حيث كانت إسرائيل بحاجة إلى صناعة بديل عن المقاتل الذي يحمل السلاح بوجهها في بيروت مطلع الثمانينيات»، مستدركاً بأنه «عندما تَحوّل المقاتل إلى مقاول مستعدّ لتقديم الخدمات الأمنية ضمن مهام عمله من دون أن يتّهمه أحد بالخيانة، فما الحاجة إلى صناعة جسم إشكالي من جديد». ويلفت إلى أن «التنسيق الأمني انتقل من مهمّة يؤدّيها جنود محدّدون مثل الارتباط ووزارة الشؤون المدنية، إلى التعامل المباشر بين ضباط المخابرات الإسرائيلية ورتب دنيا في السلطة، حيث عملت إسرائيل على صناعة هذه الوقائع خلال 17 عاماً من رئاسة أبو مازن، في حين لم تحرز السلطة خلال تلك السنوات أيّ تَقدّم على صعيد المفاوضات ولا حلّ الدولتين، بل مارست الدور الذي كانت تقوم به روابط القرى، لكن في بروفايل وطني رسمي، وفي ما بعد أبو مازن، لن يستطيع خلَفه بعْث روحٍ جديدة تتمرّد على ذلك الواقع».