«تصعيد» قبل وصول بايدن
على رغم الطلب الواضح الذي أوصله موفدو الإدارة الأميركية إلى تل أبيب، بضرورة تهدئة الأوضاع الأمنية في عموم الأراضي المحتلة، ومع قطاع غزة والضفة الغربية بشكل خاص، إلّا أن العدو لم يوقف بعد اقتحاماته المتكرّرة لمدن الضفة وبلداتها، ما لا يساهم في تحقيق الهدوء المطلوب. ومع أن جيش الاحتلال أوقف عمليات الاغتيال والتصفية، وخفّض عدد الاقتحامات، وجمّد تنفيذ أوامر هدم البيوت، إلّا أنه لم يتمكّن من إرساء الاستقرار، بسبب إصرار المقاومين على التصدّي لقواته المقتحِمة، ما يجبرها على الاشتباك معهم، ويدفع بالتالي إلى وقوع التصعيد، وربّما سقوط شهداء وجرحى. وبحسب مصادر المقاومة في جنين، فإن «العدو يعتقد أنه إذا لم يَقُم بعمليات تصفية واغتيال وهدم، واكتفى بالاعتقال، بالإضافة إلى تسهيلات اقتصادية محدّدة، وتصاريح عمل لأبناء الضفة، فإن ذلك سيدفع المقاومين إلى التهدئة والتراجع، واعتبارها فرصة للراحة». وتؤكد المصادر أن «هذا غير وارد، واعتقاد العدو ليس سوى وهم، إذ إنه طالما يدفع بقوّاته الخاصة إلى أنحاء الضفة، لأي مهمة كانت، فإن هذه القوات ستكون هدفاً أكيداً للمقاومين وأبناء شعبنا».
جيش الاحتلال أوقف عمليات الاغتيال والتصفية، وخفّض عدد الاقتحامات، وجمّد تنفيذ أوامر هدم البيوت
جنين كثغرة استراتيجية
يشير تقرير مطوّل أجراه باحثان إسرائيليان في «معهد أبحاث الأمن القومي»، بداية الشهر الفائت، حول «معضلة» جنين والضفة الغربية، إلى أن «النشاطات في هذه المنطقة رفعت نسبة الاحتكاك، وأدّت الجرأة الفلسطينية إلى أحداث إطلاق نار كثيرة، قُتل فيها جندي من وحدة اليمام، وأصيب عشرات من المستوطنين والجنود». ويضيف التقرير أن «منطقة جنين تعدّ دفيئة إرهاب، وساحة عمل مريحة وحرّة بشكل نسبي للجهاد الإسلامي، وهي المنظّمة الأكثر نشاطاً في المنطقة». كما أنه «يتراكم في هذه المنطقة تعاون بين الجهاد الإسلامي والتنظيمات الأخرى، كحركة حماس والجبهة الشعبية، وحتى كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح».
ويؤكد الكاتبان أن «الافتراض الذي يربط بين تحسين الوضع الاقتصادي والتشغيلي، وبين الدافعية للإرهاب، ثبت بأنه لا يسري على حالة جنين»؛ إذ على «رغم الازدهار الاقتصادي ونسبة التشغيل العالية والعلاقة الوثيقة مع عرب إسرائيل (فلسطينيو 48) والاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن جنين بقيت دفيئة نشِطة للإرهاب». وينتقد الباحثان سياسة جيش العدو في جنين والضفة الغربية، وتحديداً لناحية تنفيذ «عمليات خاصّة لاعتقال مطلوبين ومشبوهين، تكون في معظم الحالات لإحباط هجمات فورية وبناءً على معلومات خاصة»، معتبرَين أن هذه العمليات «في ظلّ غياب نشاطات شاملة يكون هدفها المسّ بالبنى التحتية الإرهابية، تسمح للفلسطينيين المسلّحين في المنطقة بتنظيم أنفسهم بسهولة نسبيّة، وتركيز جهود وقوّة نيران أمام القوات الخاصة الإسرائيلية».
ويلفت التقرير إلى أن «المتحفّظين (في المستويَين الأمني والسياسي) على معركة واسعة، يبرّرون تحفّظهم بمخاطر التدهور إلى معركة متعدّدة الساحات، وبحسب تقديرهم، فإن التهديد الذي تشكّله منطقة جنين من الصحيح علاجه بصورة محدّدة». لكن، يرى الباحثان هنا، أن «الخوف من أن معركة واسعة في جنين وفق صيغة «الدرع الواقي» (2002)، ستجرّ كلّ الضفة الغربية إلى المعركة، وربّما قطاع غزة وجهات دينية وقومية متطرّفة من أوساط العرب في إسرائيل، مفهوم لدى منظومة الإرهاب في جنين وقيادة حماس في القطاع والخارج». ويُعتبر هذا «الخوف»، بحسب التقرير، «ضعفاً إسرائيلياً»، ويستدعي «الجرأة من جانب الجهات الإرهابية في جنين»، إضافة إلى انعكاسه أيضاً على «الفضاء الإقليمي، أي حزب الله وإيران، ما يسهم في تآكل ردع إسرائيل».