والواضح أن أنقرة تعمّدت تكثيف الغارات على مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» في شمال سوريا وشرقها تحديداً، على أساس اتّهامها المباشر لـ«قسد» بتدبير عملية تفجير إسطنبول، وتأمين وصول المتّهمين بالضلوع إلى الداخل التركي، انطلاقاً من مناطق وجودها في مدينة عين العرب (كوباني). إلى جانب ذلك، فإن أكثر المناطق التي تضرّرت من القصف هي تلك المحيطة بجبل كراتشوك، والتي يُعتقد أن «قسد» تتّخذ منها مخازن أسلحة رئيسيّة في المنطقة، وتَبعد كيلومترات قليلة عن قاعدتَين أميركيتَين رئيسيتَين في رميلان والمالكية، في ما بدا إشارة إلى أن الجانب الأميركي كان على اطّلاع تامّ على وقوع الغارات. وعزّز من ذلك تحذير الخارجية الأميركية في بيان قبل يومين من وقوع العملية، رعاياها من السفر إلى كلّ من شمال سوريا وشمال العراق. وجاء في البيان: «نراقب تقارير موثوقة ومفتوحة المصدر عن عمل عسكري تركي محتمَل في شمال سوريا وشمال العراق في الأيام المقبلة، وما زلنا ننصح بشدّة مواطني الولايات المتحدة بتجنّب هذه المناطق». واعتبرت الأوساط الكردية في سوريا البيان الأميركي بمثابة ضوء أخضر للجانب التركي لتنفيذ عمليته في مناطق تُعدّ تحت الحماية الأميركية في سوريا، وخاصة أن القصف جاء بعد تطمينات أميركية نقلها الأسبوع الفائت، مبعوث الخارجية إلى شمال وشرق سوريا، نيكولاس جرنجر، إلى القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، إثر زيارة الأوّل لتركيا، مفادها وجود إرادة لتثبيت الاستقرار في المنطقة، وعدم التصعيد.
جاءت العملية التركية بعد تحذير الخارجية السورية من «استغلال حادثة تفجير إسطنبول للقيام بنشاطات أو خطوات في سوريا»
وأصدرت وزارة الدفاع التركية بياناً حول العملية، قالت فيه إنه «تمّ تدمير 89 موقعاً للإرهابيين في عملية المخلب السيف، وتحييد عدد كبير منهم، من بينهم قادة في التنظيم الإرهابي»، مضيفة إنه «تمّ تنفيذ المهمّة في مناطق شمال العراق وسوريا بنجاح»، مؤكدة «(أننا) سنواصل محاسبة الذين استهدفوا أمن بلادنا وأمّتنا مثلما حاسبناهم من قَبل وحتى اليوم». في المقابل، أعلنت «قسد»، على لسان مدير مركزها الإعلامي، فرهاد الشامي، أن «الغارات الجوّية التركية أدت إلى استشهاد 11 مدنياً، بينهم 9 في محيط كراتشوك في ريف المالكية، وعنصر من قسد في أبو رأسين، واثنين من عناصر حراسة صوامع ظهر العرب في ريف الدرباسية، و15 جندياً من الجيش السوري»، مهدّدةً بأن «هجمات الاحتلال التركي لن تبقى من دون ردّ». ولفت القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، بدوره، في تغريدة على «تويتر»، إلى أن «القصف على مناطقنا الآمنة يهدّد المنطقة برمّتها، وهو ليس لمصلحة أيّ طرف»، منبّهاً إلى «(أننا) نبذل جهودنا كي لا تَحدث فاجعة كبرى، ولكن إنْ صارت الحرب سيتأثّر الجميع بنتائجها»، متابعاً أن «الهجمات لن تكون محدودة في مناطقنا التي تتعرّض لقصف عدواني همجي». وحملت تصريحات عبدي تهديداً ضمنياً، لتركيا، بنقل المعارك إلى الداخل التركي أو المناطق التي تحتلّها أنقرة في أرياف حلب والرقة والحسكة، في محاولة لإحداث ضغط داخلي على الأتراك، لمنعهم من توسيع عملياتهم في المنطقة.
من جهتها، تفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن «القصف التركي طاول أكثر من 30 موقعاً لقسد، بينها مناطق متداخلة مع مناطق سيطرة الجيش السوري أو ملاصقة لها»، لافتة إلى أن «العدوان التركي على قرية تل حرمل في ريف بلدة أبو رأسين شمال غرب الحسكة، أدى إلى استشهاد ضابط برتبة رائد وجنديين وإصابة ثالث، مع استشهاد عدد آخر من الجنود في ريف حلب». ونبّهت المصادر إلى أن «الأرقام المتداولة عن العدد الكبير للشهداء والجرحى من الجيش السوري غير دقيقة»، مشيرة إلى «وقوع خسائر في صفوف قسد، بأرقام غير معروفة بدقة». واللافت، في هذا الإطار، أن «قسد» حاولت الظهور بمظهر الأقلّ تضرّراً جرّاء العملية التركية، في مسعى منها للقول إن هذه الأخيرة لم تحقّق أهدافها، وأيضاً لدفع الجيش السوري إلى مواجهة مباشرة مع الأتراك، وبالتالي عرقلة التقارب الأمني بين الجانبَين. كذلك، أرادت «قسد» التدليل على أن لا وجود لها مطلقاً في مناطق الشريط الحدودي، ونفي أيّ مزاعم تركية بعدم التزامها بتنفيذ «اتفاق سوتشي» الخاص بالانسحاب بعمق 30 كيلومتراً من الشريط الحدودي. وإذ جاءت العملية التركية بعد وقت قصير من تحذير وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في تصريحات إعلامية، من «استغلال حادثة تفجير اسطنبول للقيام بنشاطات أو خطوات في سوريا»، فمن غير المعلوم ما إذا كانت أنقرة قد أبلغت دمشق أو موسكو بموعد القصف أو الأماكن المستهدَفة فيه، علماً أن الجيش السوري ينتشر على نقاط التماس مع «قسد»، بناءً على «اتفاق سوتشي» المُوقّع بين الرئيسَين التركي والروسي عام 2019. واكتفى الجانب السوري، في أعقاب العملية، بإصدار تصريح لمصدر عسكري، أكد فيه «ارتقاء عدد من الشهداء العسكريين، نتيجة الاعتداءات التركية على الأراضي السورية في ريف حلب الشمالي وريف الحسكة».