الأسماء التي تتصدّر المشهد السياسي الحالي، عجِز أصحابها عن اكتساب أيّ رصيد يؤهّلهم لمنافسة تبون
وما يعزّز القراءة المتقدّمة، أن الأسماء التي تتصدّر المشهد السياسي الحالي، عجِز أصحابها عن اكتساب أيّ رصيد يؤهّلهم لمنافسة تبون، سواءً كانوا محسوبين على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أو ممّن برزوا عقب انطلاق الحراك الشعبي. وهو عجزٌ يُعزى في جانب منه إلى أداء السلطة، التي تعمّدت التضييق على النشاط السياسي والإعلامي، ولاحقت عدّة نشطاء سياسيين ومعارضين وصحافيين وإعلاميين، وجمّدت نشاط أحزاب، وعلّقت قنوات خاصة، بما جعل من ممارسة المعارضة أمراً عسيراً حتى بالنسبة إلى المتمرّسين في العمل السياسي، وبما حوّل لعمامرة، أيضاً، إلى الورقة البديلة الوحيدة.
أمّا بالنسبة إلى وزارة التجارة، فقد استحضر الجزائريون تصريح الوزير الأسبق، بختي بلعايب، في عام 2016، عن مدى تغوّل لوبيّات أقوى منه، منعتْه حتى من إغلاق مطعم بسبب تقارير عن مدى رداءته. ودائماً ما يتجدّد الحديث عن هذه «اللوبيّات» لدى ارتفاع الأسعار أو ندرة السلع، فيما يراها آخرون مجرّد شماعة يعلّق عليها المسؤولون فشلهم. ورَفع وزير التجارة المُقال، كمال رزيق، منذ تولّيه حقيبته، شعار محاربة تلك الشخصيات التجارية وحتى السياسية المتحكّمة بالسوق، معلِناً جملة وعود أبرزها الكشف عن أسباب ندرة حليب الأكياس، وتوفير جميع المواد الغذائية واسعة الاستهلاك والتي تختفي في رفوف المحلّات التجارية بين الحين والآخر، خاصة المدعومة منها من مِثل الزيت والسميد وغيرهما. لكن وعوده لم تَجد سبيلها إلى التنفيذ سريعاً، وهو ما أدّى إلى اهتزاز المكانة الشعبية لرزيق، الذي، على رغم ذلك، لم يمتنع تبون عن تجديد الثقة به خلال تعديلات وزارية عدّة. لكن يبدو أن رصيد الأستاذ الجامعي قد نفد تماماً أخيراً لدى صانع القرار الجزائري، خاصة بعدما دان البرلمان، للمرّة الأولى في تاريخه، في 24 شباط الماضي، الوزير المذكور، واتّهمه بتجاوز حدود اللياقة والأعراف الدستورية في التعامل مع النواب، على خلفيّة ملاسنة بينه وبين النائب عبد الوهاب يعقوبي، طالب خلالها الأوّل الثاني بسحب كلامه، قائلاً إنه لا يسمح بتوجيه اتّهامات إليه. وتأتي إقالة رزيق، والتي يراها البعض متأخّرة، بالتوازي مع استعداد الحكومة للعمل على توفير المواد الغذائية خلال شهر رمضان وبأسعار مقبولة، تجنّباً لأيّ هزّات في الجبهة الاجتماعية.
أمّا وزارة الريّ، فقد فسّر متابعون تغيير شاغلها، باهتمام الرئيس الجزائري بتوفير الماء في ظلّ تعاظم تحدّيات المناخ وشحّ الأمطار. وكان تبون أمَر، في كانون الثاني الماضي، بـ«استنفار مصالح الداخلية والموارد المائية والفلاحة والصناعة والبيئة، على أوسع نطاق، لإنشاء مخطّط سريع يهدف إلى سنّ سياسة جديدة لاقتصاد المياه وطنياً، والحفاظ على الثروة المائية الجوفية»، وكذلك بـ«إعادة تحريك وبعْث كلّ المشاريع المتوقّفة لمحطّات تصفية المياه المستعمَلة عبر الولايات، وإدخالها قيد الاستغلال، لاستخدامها في الريّ الفلاحي عوض المياه الجوفية». وبالنسبة إلى قطاع الصناعة، فإن تحريك عجلة الاستثمار يبقى التحدّي الأبرز للسلطة الحالية؛ إذ على رغم سنِّ قوانين لاستقطاب المستثمرين، إلّا أن إقناع أصحاب رؤوس الأموال الجزائريين والأجانب بضخّ أموالهم في البلاد، يظلّ مهمّة كبرى وملحّة، فيما ملفّ تصنيع السيّارات محلّياً يُعدّ من بين أبرز الملفّات الجاري الاشتغال عليها، لا سيما بعد منْع الاستيراد لسنوات ووسط تَوّجه لافتتاح مصانع إنتاج جديدة لهذه السلعة في الجزائر.