في الأشهر الماضية، كانت الإعلامية اللبنانية رابعة الزيّات تمضي وقتها بين استديوات محطّتين هما «لنا» و«الجديد» لتلحق تقديم برنامجين يتنافسان مع بعضهما. الأوّل «شو القصة» (تلفزيون «لنا») تسأل فيه ضيوفها: ماذا تعبد؟ وبماذا تعتقد؟ وهل تؤمن بالله؟ من دون أن يخطر في بالها ولو مرة مساءلة نفسها بمنطق مهني: ماذا تنفع المُشاهد إجابات الضيف حول معتقداته الشخصية؟ أما في البرنامج الثاني «فوق 18»، فتجرّب أن يكون أداؤها أفضل حالاً، مع طرح مواضيع إشكالية ذات علاقة بالدين والجنس والسياسة، ثم التركيز بطريقة فجة غالباً على المواضيع الجنسية بقصد صريح وواضح هو زيادة حجم المشاهدات في سوق المنافسات المفتوح في لبنان!ذلك كله يمكن أن يكون مقبولاً نوعاً ما وسط الفوضى العارمة التي تسيّج يومياتنا، ولكن ما يجب الوقوف عنده هو أن يُملأ الهواء وفقاً لمعيار واحد هو السعي المحموم خلف التريند مهما كانت الظروف. في أوج الحرب الإجرامية والإبادة الجماعية التي ينفّذها الكيان الصهيوني على غزّة، قررت الزيّات أن تستضيف الممثل السوري أويس مخللاتي في برنامجها «فوق 18» بعد تحقيقه إنجازاً عبقرياً في ظهوره ضمن برنامج «بودكاست مع الجديد» واعتباره أنّ «طوفان الأقصى» عملية عبثية غير مدروسة، و«لا يمكن مقارنة 200 أسير إسرائيلي بآلاف الأرواح الفلسطينية التي أزهقتها إسرائيل بعد ذلك». طبعاً وجهة النظر السطحية تشيّد عداءً جذرياً مع الفهم الموضوعي ولو في حدوده الدنيا لمعطيات النضال الفلسطيني من أجل التحرير وإقامة دولة فلسطين. مع ذلك، وجدت الزيّات في هذا التصريح فرصةً ذهبيةً لتقضم حصّتها من التريند الأسبوعي ولو على حساب قضية بحجم ما يحدث في غزة!
هكذا، سارعت لاستضافة مخللاتي في مواجهة مغنّي «ستار أكاديمي» المصري محمد عطيّة، الذي أطلّ بالكوفية الفلسطينية كي يدعم فلسطين، ويحكي عن أهمية عملية «طوفان الأقصى»، بينما كان لنجم «الهيبة» رأي مختلف. إذ اعتبر أنّ قيام الدولتين هو الحلّ، والخلاص يكمن في الـ Peace and love! طبعاً، بدا الضعف والهلهلة يحوّطان رأي الممثل السوري الذي سيطر عليه التردد والتوهان كما جرت العادة في إطلالاته، بينما أرادت الزيات التصيّد أكثر عندما سألته في لحظة ما: تقصد بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم؟ طلب منها ألا تقوّله ما لم يقله، رغم أنّه أشار إلى أنّه رأى بأمّ عينه عقود بيع حصلت فعلاً!
مَن يذكر منجزاً له يخوّله أن يكون ضيفاً يتحدّث عن فلسطين؟

أثناء الحديث، ستحاول الزيّات تبرير استضافة مَن هو غير أهل للتعقيب الإعلامي، قائلة إنّ هذا رأي مثقفين وفنانين! طيّب لا بدّ من الصراخ مجدداً بأن الممثل التلفزيوني يجب أن يكون حاضراً فعلاً، ولكن في حدود معرفته وثقافته واطلاعه. ثم لا يمكن إقحام ممثل بنى نصف شهرته على دراما مسروقة («نصف يوم») من السينما العالمية التجارية، ونصفها الآخر على مسلسل «الهيبة» الذي قدّم جزءاً أوّل متماسكاً، ثم انحدر نحو صيغة اجترار معاصرة لمنظومة التخلف التي كرّسها مسلسل البيئة الشامية الشهير «باب الحارة»! عدا عن ذلك، مَن يذكر منجزاً لأويس مخللاتي يخوّله أن يكون ضيفاً في برنامج حواري يتنطّح فيه للحديث عن فلسطين! ثم وإن ناصر محمد عطية القضية، بمنطقه البسيط، ولكن يحق لنا السؤال: ترى هل خلت مصر من مثقّفيها ومبدعيها الوازنين، ليكون نجم «ستار أكاديمي» هو الضيف للحديث عن جوهر الصراع والإجرام في غزّة!