رام الله | أدت الحكومة التاسعة عشرة في تاريخ السلطة الفلسطينية، الأحد، اليمين الدستورية أمام رئيس السلطة، محمود عباس، في رام الله، في استجابة جديدة من قِبل الأخير لجملة الشروط والمطالب التي وضعها على طاولته وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أثناء جولاته الأخيرة في المنطقة. وبعد ساعات فقط من أداء الحكومة اليمين، تلقّى عباس اتصالاً من بلينكن، ومن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فيما من المتوقع أن يستقبل اتصالات مماثلة من أطراف دولية وعربية، ما دام أن التشكيلة التي جرت المطالبة بها والإشراف على اختيار أعضائها، قد رأت النور أخيراً. ويأتي ذلك في إطار الرؤية الأميركية والغربية للدور المطلوب من السلطة الفلسطينية، والقائمة على إعادة هندسة هذه الأخيرة من جديد، بما يشمل ملفاتها الأمنية والعسكرية والسياسية وحتى المالية، ويبدأ بتكوين الطاقم الوزاري الذي حدّدت واشنطن، بنفسها، الخطوط العريضة لآلية عمله.وإذا كانت الولايات المتحدة قد أعفت الحكومة من أيّ مهمات سياسية وأمنية، عبر إصرارها على أن تكون «حكومة تكنوقراط»، فإنها بذلك تريد لها مسار عمل بعيداً من هذا الملف كي لا يثقل عليها ويكون سبباً في فشلها. لكن ما تقدّم، لا يعني إسقاط الملف الأمني في الضفة الغربية المحتلّة من الحساب، وتحديداً لناحية مواجهة المقاومة في مدن الضفة ومخيماتها، وخفض التصعيد الميداني، وعدم السماح بانفجار الأمور، وهذا ما يفسّر حملة الملاحقة الواسعة التي شرعت الأجهزة الأمنية في شنها في المخيمات والمدن التي شكلت حواضن للمقاومة، وعلى رأسها مخيمات جنين وطولكرم. وشهدت طولكرم، السبت الماضي، اشتباكات مسلّحة هي الأعنف من نوعها بين مقاومين من «كتيبة طولكرم» وعناصر الأجهزة الأمنية، إثر محاولة الأخيرين اعتقال أحد قادة الكتيبة (أبو شجاع) من داخل مركبة كان يستقلها في المدينة. لكن القائد ترجّل من المركبة وحاول الانسحاب، فأطلق عناصر الأمن النار في الهواء، ما أدى إلى إصابة «أبو شجاع» بشظايا الرصاص، فضلاً عن إصابة شاب آخر من الكتيبة. وعلى إثر ذلك، ازداد الموقف توتراً، خصوصاً بعد محاولة أجهزة الأمن اعتقال مقاومين آخرين في منطقة المسلخ، وإطلاقها النار عليهم، وتسبّبها في إصابة أحدهم بجروح، أُعلن استشهاده متأثراً بها أمس.
هكذا، سادت المخيم والمدينة حالة غليان، تطورت إلى مواجهات مسلحة استمرّت لساعات، وأعلنت بعدها «كتيبة طولكرم» العصيان المدني في مخيم نور شمس، مغلقةً مداخل المخيم كافة بالمتاريس، ومانعةً الخروج منه أو الدخول إليه. ووصفت الكتيبة ما جرى بأنه «عمل جبان تأبى الرجال فعله، من اعتراض سيارة كان يستقلّها قائد الكتيبة والناطق باسمها»، لافتةً إلى أن «الأخ القائد حاول حلّ (المشكلة) من دون الوصول إلى ما وصلنا إليه للأسف، ولكن من يصغي إلى أوامر عدوه لا يأبه بحرمة دم المسلم ولا حرمة رمضان ولا شيء»، مضيفةً أن «العصابة المأجورة حاولت اعتقال الإخوة ومصادرة سلاحهم (...) وأطلقت النار في الهواء بدايةً، فتمكّن الإخوة من الفرار من بين أيديهم ولم يُطلقوا النار حقناً للدماء». كذلك، أصدرت فصائل ومجموعات مقاومة، من بينها «كتيبة قفين» و«كتائب شهداء الأقصى»، بيانات تدين ما جرى في طولكرم، محذّرة من تداعياته، خاصة أن هذه الأحداث باتت تتكرّر بصورة أوسع وأشمل في مناطق متفرقة، ويتخلّلها إطلاق نار على مقاومين وإصابتهم، على غرار ما جرى قبل أيام في جنين من إطلاق للنار على المقاوم قيس السعدي، ما أدى إلى إصابته. وفي حين تحاول السلطة، عبر منبرها الرسمي، إظهار هؤلاء على أنهم خارج القانون، تزجّ بمجموعات مسلحة، يُعتقد غالباً أنها من عناصرها، لمهاجمة المقاومين وتهديدهم. وعليه، تبدو الضفة مقبلة على مشهد أكثر قتامة، بما يسمح بتكرار هذه الحوادث وربما بصورة أخطر، إذا ما استمرّت السلطة في تلبية المطالب الأميركية والعربية بتصعيد الضغوط على المقاومة.
«خطة الإصلاح» الأميركية تتضمّن تدريب قوات الأمن الفلسطينية على العمل في غزة


وبالتزامن مع ما يجري في الضفة، ظهرت أولى بوادر ما كان قد سرى الحديث عنه سابقاً، من تشكيل رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج، قوة مسلّحة لإدارة الأوضاع في قطاع غزة، وتسليمها ملف توزيع المساعدات. إذ أعلنت الجبهة الداخلية في القطاع، الأحد، تسلّل ضباط وجنود يتبعون ذلك الجهاز، بأوامر مباشرة من فرج، في ما وصفتها بـ«عملية استخباراتية جرت ليلة السبت الماضي». وأكدت أن الأجهزة الأمنية في غزة تعاملت مع أولئك العناصر، واعتقلت 10 منهم، وأفشلت المخطّط الذي جاؤوا من أجله، والذي قالت إنه يستهدف إحداث حالة من البلبلة والفوضى في صفوف الجبهة الداخلية، كاشفةً أن منفذيه تسلّلوا بتأمين من جهاز «الشاباك» الإسرائيلي وجيش الاحتلال، بعد اتفاق تم بين الطرفين في اجتماع لهما في إحدى العواصم العربية الأسبوع الماضي، وهو ما نفاه مصدر رسمي فلسطيني لوكالة «وفا».
وجاءت هذه الحادثة بعد فشل إسرائيل في استقطاب العشائر وإقناعها بالقيام بمهمة توزيع المساعدات، وتمكّن الفصائل من الاتفاق مع العائلات على إدارة هذا الملف بشكل مشترك من دون إعطاء إسرائيل هدفها، وهو ما يفسر اغتيال دولة الاحتلال، أخيراً، القائمين على الاتفاق المذكور، ومنهم الشهيد فايق المبحوح. كما جاءت الواقعة بعد أيام فقط من حديث أوساط إسرائيلية وأميركية عن موافقة عربية على إرسال قوات إلى غزة كـ«قوة سلام»، اعتبرتها المقاومة «احتلالاً» في حال قدومها. ومن هنا، يبدو التسلل محاولة لجسّ النبض، واستكشاف مدى قدرة المقاومة على معرفة ما يجري على الأرض، واختبار المشهد الميداني برمّته.
وتزامن ذلك كلّه مع ما سُرّب خلال الأيام الماضية، عن قرب توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية لإنهاء «مخصّصات الشهداء»، ضمن محاولات «إصلاح السلطة»، حتى تتمكّن من تولّي الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. وذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، نقلاً عن مصدرَين مطّلعَين، قولهما إن محامي الإدارة الأميركية قاموا بفحص مسودات السياسة المعدلة لمدفوعات السلطة، وإن الاتفاق في طريقه إلى الإعلان عنه في الأسابيع المقبلة، حيث سيجري تحديد الرواتب التي يتلقّاها الأسرى كمساعدة اجتماعية، على أساس الحاجة المالية للمستفيد، بدلاً من سنوات اعتقاله كما هو الحال حالياً. وبحسب موقع «بوليتكو»، تشير تلك المسودات إلى أن مسؤولي السلطة سيستبدلون بالمخطط الحالي برنامجاً للرعاية الاجتماعية العامة، علماً أن «خطة الإصلاح»، والتي تتكوّن من حوالى عشرين مقترحاً، تتضمّن أيضاً تدريب قوات الأمن الفلسطينية على العمل في غزة.