رام الله | دأب الإعلام الخليجي، وتحديداً السعودي والإماراتي، منذ عملية «طوفان الأقصى»، على التحريض على المقاومة، وخصوصاً حركة «حماس»، عبر تحميلها مسؤولية جرائم الحرب والإبادة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. ولعلّ واحداً من أبرز الأسماء التي بات أصحابها ضيوفاً مقيمين في الإعلام المذكور، من «العربية الحدث» إلى «سكاي نيوز» و«المشهد»، التي يديرها الإعلامي اللبناني طوني خليفة، هو أسامة العلي، السفير السابق للسلطة الفلسطينية، والذي لا يشغل راهناً أيّ منصب قيادي في السلطة أو حركة «فتح»، وإنْ كان يُقدَّم بهذه الصفة تلبيةً لحاجة تلك الوسائل إلى الهجوم على المقاومة الفلسطينية، وإدانتها. ويَظهر توازياً أن الإعلام الخليجي بدأ، أخيراً، يوجّه بوصلته نحو الحَراك الجماهيري في الأردن، في محاولة لشيطنته وإخراجه عن مساره، فيما يتبيّن أن بعض الشخصيات المقرّبة من رام الله سارعت إلى تلبية نداء «التشنيع»، علماً أن جزءاً من الهتافات التي يطلقها متظاهرو الأردن موجّهة ضدّ السلطة، التي يتّهمونها بالتخاذل طوال مدّة الحرب.وخلال الساعات الماضية، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي الأردنية بالمطالبات والدعوات إلى طرد أسامة العلي ومحاسبته ومحاكمته بعد كيله الشتائم، عبر قناة «العربية»، للمتظاهرين. وهاجم العلي، في اللقاء المذكور، المحتجين أمام السفارة الإسرائيلية، ووصفهم بـ«الأبقار»، وأنهم «صبية وفتية وفتيات يقومون بهيصة في الشوارع يومين أو ثلاثة وتنتهي»، قائلاً: «المتخلّفون الأبقار اللي برقصوا في شوارع الأردن، مش شايفين اللّي بصير في غزة، ولا شايفين انتصارات في غزة؟». ولم يقتصر الأمر على العلي، بل إن عدداً من مسؤولي «فتح» هاجموا الحَراك، محاولين وصمه عبر ربطه بتنظيم «الإخوان المسلمين»، والقول إن هناك توجّهاً لدى «حماس» إلى تجييش الشارع الأردني وإثارة الفوضى، وهو ما تسعى السلطة إلى تسليط الضوء عليه في كل مرّة لتحويله إلى حقيقة، ذلك أنها ترى في الغضب الشعبي خطراً عليها، ولا سيما أنها تخشى انتقال الاحتجاجات إلى الضفة الغربية، بعدما استطاعت، طوال العدوان، منعها. ويبدو أيضاً أن السلطة وجدت في قولبة حَراك الأردن ونَسْبه إلى أطراف خارجية، وتحديداً إيران، فرصتها من أجل دعم موقفها القائل إن طهران تعمل على بثّ الفوضى والعبث باستقرار الضفة، وبالتالي التغطية على الأحداث الأخيرة في مدينة طولكرم.
ترى السلطة في الحراك الجماهيري في الأردن خطراً عليها، ذلك أنه قد يمثّل أنموذجاً يمكن تقليده والاقتداء به في الضفة


وفي المقابل، يُجمع كثير من المراقبين والمحلّلين الأردنيين على أن مَن يشاركون في الحراك ليست لديهم أيّ توجّهات حزبية، بل هم من فئات مجتمعية مختلفة، وما يحركهم هو الغضب من وجود سفارة للاحتلال في ظلّ الجرائم التي تُرتكب في غزة. ومع ذلك، لا ترى السلطة في التظاهرات سوى «الفوضى والتخريب»، ساعية في تكريس هذه الصورة عمّا يجري. ومن أجل ذلك، اتّصل رئيسها، محمود عباس، مساء الثلاثاء، بالملك الأردني عبد الله الثاني، ليؤكد له وقوفه والقيادة والشعب الفلسطينيين، إلى جانب المملكة الأردنية، ورفضه التامّ لكلّ «محاولات العبث بأمن الأردن واستقراره أو محاولة استغلال معاناة شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة للعبث بالساحة الأردنية، ورفض أيّ تدخلات خارجية في الشأن الأردني الداخلي»، مشدداً على ثقته بأن «الأردن، تحت قيادة الملك عبد الله الثاني، سيتجاوز كل الظروف وسيبقى بلداً آمناً مستقراً»، وأن «الأمن والاستقرار في الأردن هما مصلحة فلسطينيّة عليا».
وإذ دخلت السلطة الفلسطينية في مختبر الإصلاح الأميركي، المتشعّب أمنيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً، فهي تخشى التشويش عليها داخليّاً أو خارجياً. ورغم أن رام الله تمتلك في جعبتها الاعتراف السياسي الدولي بها باعتباره ورقة قوّة لها، إلا أنها تدرك فقدانها للتأييد الشعبي والجماهيري في الأراضي الفلسطينية بما فيها الضفة، وحتى خارج فلسطين، وهذا ما يؤثّر بدرجة أو بأخرى على دورها ومكانتها. ولعلّ ما تقدّم، تجلّى في هتافات الحراك الأردني، التي انتقدت السلطة وهاجمتها بصورة شديدة واتهمتها بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة في العدوان على غزة. ومن هنا، ترى رام الله في الحراك الجماهيري في الأردن خطراً عليها، ذلك أنه قد يمثّل أنموذجاً يمكن الاقتداء به في الضفة من قِبَل شبان أو ما تبقّى من اتحادات أو فعاليات، خاصة إذا ما أُخذت في الحسبان العلاقة الخاصة بين الأردنيين والفلسطينيين، وهو السيناريو الذي لن تستطيع السلطة استيعابه في حال وقوعه، وسيؤدي إلى إدخالها في أزمة، بعدما مارست قمعاً ضدّ مسيرات عدّة خرجت في الضفة ضدّ العدوان وتأييداً لغزة.