غزة | أتت الحرب المستمرة على قطاع غزة، منذ ما يزيد على الستة أشهر، على النظام المصرفي والقطاع المالي تماماً. إذ استهدف الاحتلال، بشكل متعمّد، المئات من محلات الصرافة، ودمر عدداً كبيراً من فروع البنوك الفلسطينية، فضلاً عن سرقته مبالغ مالية كبيرة. وكان آخر تلك الحوادث ما أعلنه «بنك فلسطين» من سرقة العدو مبلغ 54 مليون دولار من فرعه الرئيس قرب ساحة الجندي المجهول في القطاع. وتُضاف إلى كلّ ذلك، عمليات السرقة التي أقدم عليها جنود الاحتلال بشكل شخصي، والتي نهبوا فيها مئات الملايين من الشواكل والدولارات من منازل المواطنين المهجورة في شمال غزة وجنوبها. هذه الأحداث المتراكمة تسبّبت بشح في السيولة النقدية، وأعطت مساحة واسعة للصرافين ورجال الأعمال لاستغلال حاجة الأهالي. إذ رفع أغنياء الحروب ومحدثو النعمة، العمولة على استقبال الحوالات المالية، من 1% قبل الحرب، إلى 22% في الوقت الحالي. وأمام الغياب المؤثر لدور الأجهزة الأمنية، وعدم وجود أي حلول بديلة للتعاطي مع تغوّل الصرافين وتجار الأزمات، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين للتكيف مع الواقع. يقول مهند مصطفى، وهو أحد العاملين في مجال الصرافة: «السوق في الوقت الحالي، يتحكم فيه عدد محدود من أولئك الذين يمتلكون السيولة النقدية. في حقيقة الأمر، العناوين الكثيرة للصرافين ليست سوى واجهات وسماسرة يعملون لمصلحة رؤوس كبيرة، استغلت حاجة الناس، ورفعت السعر على العمولات المالية إلى مستويات فلكية غير مسبوقة. من تصل إليه حوالة قيمتها 1000 دولار، هو مضطر لاستلامها 800$ فقط، وإلا فلينهش الجوع أجساد أطفاله».
لم تقم وزارة المالية في رام الله بأي دور يذكر في وضع حل لأزمة السيولة المتفاقمة في غزة


ووفقاً للخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، فإن أزمة السيولة طاولت عشرات الآلاف من الموظفين التابعين للحكومة الفلسطينية في رام الله، والذين لم يتمكنوا من الحصول على رواتبهم المودعة في حساباتهم البنكية منذ أكثر من أربعة أشهر. ويقول أبو جياب، في حديثه إلى «الأخبار»: «الأزمة الحالية بحاجة إلى حلول جذرية، لا يعقل أن يذهب نحو ربع رواتب الموظفين وأموال التبرعات ووسائل الإعلام إلى جيوب كبار الصرافين وتجار العملة. هل يعقل أن تقف الحكومة في رام الله متفرّجة أمام ما يحدث؟». أما عن مسببات تلك الأزمة، فشير إلى سفر نحو 90 ألف مواطن إلى الخارج، والذي تسبّب بخروج مبالغ مالية ضخمة، فضلاً عن سرقة الاحتلال ملايين الشواكل من البنوك وما يدخره الأهالي في منازلهم، وتوقف حركة المال وتحوّلها إلى حركة في اتجاه واحد، وهو إلى خارج غزة، من دون دخول أي بدائل نقدية لما يتم تسفيره.
الأسوأ من التجار، كان القطاع المصرفي الرسمي؛ إذ لم تقم وزارة المالية في رام الله بأي دور يذكر في وضع حل لأزمة السيولة المتفاقمة في غزة، بل فرضت قيوداً أكثر تشديداً على عمل الجمعيات الخيرية المحلية التي تحمل على كاهلها عبء تخفيف حدة الأزمة الإنسانية في القطاع. ويقول أحد العاملين في المجال الإغاثي، في حديثه إلى «الأخبار»: «ابتدعت وزارة الداخلية في رام الله حججاً شتى لعرقلة وصول الحوالات المالية التي تصرف في القطاع، إذ تذرعت بوجود إشكاليات قانونية في النظم الإدارية، وأوقفت حسابات عشرات الجمعيات الخيرية المهمة، وجمدت أرصدتها، في الوقت التي تنتظر فيه آلاف الأسر أي رغيف خبز توفره تلك المؤسسات».