عدن | تزايدت في الفترات الأخيرة عمليات تصفية ضباط الأمن والاستخبارات في المحافظات اليمنية الجنوبية، وخصوصاً في عدن وأبين وحضرموت. وغالباً ما يكون تنفيذ عمليات الاغتيال في الأسواق والأماكن العامة، من خلال قيام مسلحين ملثمين بإطلاق الرصاص الحي من على متن دراجات نارية أو سيارات مفتوحة تنتقل بسرعة كبيرة، ثم يلوذ مَن بداخلها بالفرار.
واللافت أنه حتى اليوم، لم يلق القبض على أي متهم، ولم تظهر نتائج التحقيقات في عمليات الاغتيال التي راح ضحيتها عدد من أكثر الضباط الجنوبيين كفاءةً، ومن بينهم الضابط في جهاز الاستخبارات بمحافظة عدن العقيد حسين الشيبي، الذي نجح مسلحون مجهولون في تصفيته في كانون الأول الماضي، والضابط في الاستخبارات بمحافظة لحج العقيد محمود صالح اليافعي، والمقدم في استخبارات محافظة حضرموت عوض العاجم.
ومع توالي العمليات، تسارع السلطات اليمنية في كل مرة إلى اتهام تنظيم القاعدة بالوقوف وراء الاغتيالات، مستندةً في ذلك إلى أن عمليات تصفية الضباط زادت بعد سقوط محافظة أبين فجأة في أيدي الجماعات المسلحة من «أنصار الشريعة»، وانسحاب قوات الأمن والجيش منها بداية اندلاع الثورة الشبابية في اليمن، رغم أن المعارضة اليمنية تتهم نظام علي عبد الله صالح بأنه السبب في سقوط المحافظة من أجل خلط الأوراق وتحقيق أهداف تساعده على البقاء في السلطة لأكبر فترة ممكنة، والحصول على دعم إقليمي ودولي. إلا أن غياب أي دليل على اتهامات السلطات سمح بطرح تساؤلات كثيرة تحوم فوق عمليات الاغتيال، إن لجهة المسؤول عنها، أو المستفيد منها. كذلك يتساءل أبناء المحافظات الجنوبية عن أسباب اقتصار عمليات الاغتيال على هذه المحافظات وحدها، ولماذا لا توفر السلطات الأمنية الحماية الكافية لضباطها، ولماذا لم يلق القبض على أيٍّ من المتهمين بعد، والأهم لماذا لم تعلن نتائج التحقيقات للرأي العام وذوي الضباط. ويرى البعض أنّ هناك مَن يريد خلط الأوراق وتصفية الحسابات مع الأجهزة الأمنية، في ظل الانقسام الحاد الذي أصاب الجيش وجعله منقسماً بين قوات علي محسن الأحمر وباقي قوى الجيش المؤيدة للثورة من جهة، وقوات الحرس الجمهوري وبعض الوحدات العسكرية التي تتبع نظام علي عبد الله صالح من جهة أخرى. شكوك تتجلى بوضوح من خلال تبادل الاتهامات بين صالح والأحمر في أكثر من مقابلة صحافية، خصوصاً في ما يتعلق بتقديم مساعدات لما يسمى مسلحي «أنصار الشريعة» في محافظة أبين. كذلك يعتقد على نطاق واسع في الجنوب، أن هذه الأطراف المتصارعة تسعى إلى الابقاء على الجنوب خاضعاً لسيطرتها، لذا يحاول كل طرف منها أن يظهر للعالم أنه هو من يحارب الجماعات المتشددة في أبين، حتى يحصل على الدعم والمساندة الدولية، على حساب أمن واستقرار أبناء هذه المحافظات، ما دفعهم لجعل الجنوب ساحة مفتوحة لتصفية حساباتهم.
هذا ما أكده الضابط في الجيش اليمني العقيد علي بن علي قماطه لـ«الأخبار» بقوله «حسب خبرتنا العسكرية، هذه الحوادث عبارة عن تصفية حسابات بين الأجهزة الأمنية، ومن ثم يجري تلفيق التهم لما يسمى تنظيم القاعدة، لأن هذا التنظيم هو في الأصل صناعة نظام علي عبد الله وأجهزته الأمنية، وبما أن التصفيات تستهدف الضباط الجنوبيين، فنحن نطرج علامات الاستفهام». ويتساءل قماطه «هل هم وحدهم عملاء أميركا حتى تستهدفهم القاعدة، ولماذا في هذه المحافظات فقط؟».
بدوره، يتهم الصحافي أنيس منصور أجهزة أمنية بالتخلص من الضباط. ويشير، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن استهداف القيادات الأمنية والعسكرية في لحج وعدن يثير كثيراً من التساؤلات والغموض تحديداً حول نوعية الاستهداف من خلال اغتيال وقتل شخصيات أمنية لها وزنها في العمل الاستخباري. ويرجح منصور وجود دافعين لعمليات الاغتيال: الأول يفيد بأن أجهزة الأمن تقوم بتصفية الضباط بطريقة في غاية التخطيط، للتخلص من بعض الضباط الذين لديهم معلومات عن تورط قيادات في عمليات تعذيب يمكن أن يحاكموا بسببها. أما الدافع الثاني، فهو أن البعض في الأجهزة الامنية يشعر بأن هؤلاء الضباط لهم ميل سياسي معارض، فيصار إلى التخلص منه. وبحسب منصور، يدعم هذا الرأي واقع التستُّر الشديد على نتائج التحقيقات في عمليات الاغتيال، فضلاً عن حصر الاغتيالات في نطاق جغرافي في عدن ولحج تحديداً، بينما لا نسمع عن أي استهداف لضباط أمنيين في تعز وصنعاء، أو لأن هذه الجماعات الإرهابية تمكنت من اختراق أجهزة الاستخبارات فتقتل وتغتال من تريد.
وجهة نظر أخرى يتبنّاها الصحافي والناشط في الحركة الشبابية الحامد عوض الحامد، الذي يرى، في اتصال مع «الأخبار»، أنّ التخلُّص من الضباط الجنوبيين وتصفيتهم جسديّاً، يأتي في إطار استمرار مسلسل تسريح الآلاف من الضباط الجنوبيين من كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية. ويفسّر الحامد هذه الاغتيالات بأنّ المستهدفين منها «جنوبيون غير موثوق بهم»، مشيراً إلى أن الغاية من تصفيتهم أو تسريحهم أو نفيهم إلى الخارج هي حرمان الجنوبيين من الخبرات والكفاءات العسكرية والأمنية. بدوره، يرى الصحافي ياسر حسن أن نظام صالح هو من يقف وراء عمليات اغتيال ضباط الأمن السياسي بهدف التخلص من غير المرغوب فيهم والمحسوبين على المعارضة، إضافة إلى إيصال رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن «القاعدة» سيسيطر على البلاد إذا رحل صالح ونظامه، فضلاً عن تعزيز الانفلات الأمني بهدف تخويف المواطنين من التغيير الآتي.
أما محمد عمر، وهو مدرِّس جنوبي، فيلفت إلى أن من يخطط لهذه العمليات جهات هدفها «إشغال الجنوبيين عن مشروع فك الارتباط». ويرى أن «بعض الأطراف الشمالية لا تريد لهذا المشروع أن يستمر، وخصوصاً أن له شعبية في الجنوب، لذلك لجأت إلى نشر الفوضى في المحافظات الجنوبية المهمة، وتم تسليم محافظة أبين إلى مسلحين لا نعرف إلى من ينتمون، في حين يروج الإعلام والتصريحات الرسمية أنهم من القاعدة». وختم عمر حديثه بالمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في هذه الحوادث حتى تظهر الحقيقة للجميع.
قتلى في زنجبار
أعلن مصدر عسكري أمس مقتل خمسة عسكريين يمنيين، بينهم ضابط، في اشتباكات بين الجيش ومسلحين يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة في ضواحي مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين الجنوبية، التي يسيطر المسلحون على أجزاء واسعة منها. من جهة أخرى، قال مصدر محلي إن تسعة من المسلحين قضوا في قصف مدفعي شنه الجيش فجراً على منزل كانوا يتحصنون فيه بإحدى ضواحي زنجبار. في هذه الأثناء، نقل «راديو سوا» الاميركي عن السكرتير الصحافي للرئيس اليمني، أحمد الصوفي، تبريره إلغاء علي عبد الله صالح (الصورة) خططه بالسفر إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج بقوله إن «تأشيرة من فئة A1 منحت لصالح وتمت مناقشة برنامج الزيارة مع وزارة الخارجية، وكان لدينا تحفظ حول مضمون الرسالة من وراء هذه الزيارة». وانتقد الصوفي إصرار الولايات المتحدة على حصر غرض الزيارة بتلقي صالح العلاج من الجروح التي أصيب بها أثناء محاولة اغتياله العام الماضي، قائلاً «نعتقد أن زيارة قائد عربي يقوم بتسوية سياسية في غاية الأهمية على مستقبل ما يسمى بالربيع العربي، وكذلك على مستقبل الاستقرار في اليمن وفي المنطقة، لا يمكن التعاطي معه باعتباره طالب علاج إنساني».
(الأخبار، أ ف ب)
1 تعليق
التعليقات
-
العدل اولى من المجاملةمعذرة للكتابة باسم مستعار فالحيطة من حسن الفطن. ثم ان حق الرد لديكم - كما هو معلوم- مكفول لمن اراد. بصفتها من الدول المعنية بمراقبة تنفيذ المبادرة الخليجية، علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تشترط على صالح اعتزال العمل السياسي وعدم العودة الى اليمن. وردا على ما تناقلته وسائل الاعلام بأن النظر جار في استبدال حصانة صالح بصلح، وبعد ان خاض وابناؤه حتى الركب في دماء العزل من العرايا والجياع، لا نرى ما يخفف من الرغبة في الانتقام وحدة الثأر المدوي في الصدور سوى توقفه عن التدخل في شؤن البلاد والرحيل الى الامارات العربية المتحدة. وبالمثل يتعين ذلك على أبناء عبد الله بن حسين الأحمر ورحيلهم الى السعودية وعلي محسن الى قطر والحوثي الى ايران على ان يعتزل كل اولئك التدحل في شؤن اليمنيين وأن تلزم الدول المضيفة كلا منهم بتحمل ودفع دية قتلاه فليس لهم سوى احالتهم الى الحديث الشريف "اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". والعشم ايضا في ان تقنع دول الخليج صالحا وبنيه بدفع ما لا يقل عن مليون دولار دية كل شهيد من العزل. كما نهيب بالدول المانحة الشقيقة والصديقة الامتناع عن مد الحكومة بأي دعم مالي حاليا الى أن يرحل كل اولئك عن اليمن ضمانا لعدم استيلائهم على ذلك الدعم طالما بقيت سيطرتهم قائمة على الجيش والسلاح بأيديهم. وغير ذلك يغريهم بالبقاء فهم كالوحوش الاسطورية كلما التهمنت من حقوق الآخرين ازدادت نهما وانتفخت اوداجها وكشرت عن انيابها وصاحت هل من مزيد!