إذا أردت أن تقتل حزباً سياسياً، أو هيئة جديدة، أغرقها بالأعضاء غير المتناغمين حول الفكرة الرئيسية للمنظمة. وهذا ما نشاهده في حالة «بريكس» التي يُخشى أن تتحوّل إلى منظمة مترهّلة، وفاقدة للبوصلة، مثل حركة «عدم الانحياز»، في ظل انضمام ستة أعضاء جدد، يأتي كثير منهم، من محاور دولية مضادة لأهداف «بريكس» المعلنة، لا يعرف أحد كيف تم اختيارهم، فيما تحافظ «مجموعة السبع» على قوامها المستمد من الرغبة في استدامة «دول الشمال» - وهذا مصطلح سياسي وليس جغرافياً - بقيادة واشنطن، في الاستئثار بموارد العالم ومؤسساته، واستتباع «الجنوب»، وسحقه.
أولاً: هل تنضم السعودية إلى «بريكس» التي نعرفها؟
عشية إعلان الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوزا، في أغسطس الماضي، دعوة كل من السعودية وإيران وأربع دول أخرى إلى الانضمام إلى «بريكس» كأعضاء كاملين، ازدحمت الشاشات بالتحليلات السياسية، المبشّرة بانتقال الرياض من محور إلى آخر، لكن السعوديين كان لهم وجهة نظر لافتة.
وأبرز خبراء، وموظفون كبار، رسميون حاليون وسابقون، من الهند وإيران وروسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، وبينهم مصريون، بحماسةٍ مخرجات قمة جوهانسبورغ التاريخية، والآمال المعلّقة على الجسم الجديد في بناء نظام دولي أكثر عدلاً، يعبّر عن «الأغلبية العالمية»، بحسب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، و«يسهم في تعزيز الإيمان بعالم متعدد الأطراف»، بحسب رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي.. في المقابل، يُظهِر الخبراء السعوديون، وجميعهم يعكسون المزاج الرسمي، برودة إزاء هذا الطرح، وتحفّظاً على ما يجري تداوله عن الهيمنة الأميركية على المؤسسات الدولية، مكرّرين كليشيهات عامة عن أهمية التناغم في إطار مبادئ الأمم المتحدة وأطرها.

ثانياً: تسليح الدولار وتحرير المؤسسات المالية الدولية
وحين بشّر أعضاء «بريكس» بضرورة العمل على كسر هيمنة الدولار، وإن في المدى غير المنظور، ببناء عملة خاصة بدول المنظمة، ويرفضون قيام واشنطن بـ«تسليح» عملتها الخضراء، ويستنكرون استخدام نظام تبادل الأموال الدولي (سويفت)، في فرض عقوبات أحادية الجانب على دول تراها أميركا معادية لها، ويدينون استغلال الولايات المتحدة وحلفائها الكبار للمؤسسات المالية الدولية والاقتصادية، مثل «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي»، في نشر نموذجهم الاقتصادي وعولمته، لم تجد هذه الأفكار، التقليدية حتى النخاع في خطابات دول الجنوب، رواجاً في الإعلام الخليجي. ومال المتحدثون السعوديون، عموماً، إلى التركيز على أهمية تفادي الصّدام الدولي في الشأن المالي والاقتصادي، وتفادي الوقوع في حرب عملات.

ثالثاً: حركة عدم الانحياز نموذجاً صارخاً
انضمّت إيران إلى حركة «عدم الانحياز» بعد انتصار ثورتها، التي رفعت شعار: «لا شرقية لا غربية.. جمهورية إسلامية». قبل ذلك، كانت «مملكة إيران»، الاسم الرسمي لفارس بين 1925 – 1979، بقيادة الأسرة البهلوية، جزءاً من المنظومة الغربية. في المقابل، فإن السعودية عضو في منظمة «عدم الانحياز» منذ بدايات تأسيسها، مع أنها مثل إيران الشاه، ترى المعسكر «السوفياتي» السابق، خطراً داهماً.
كانت السعودية، ولا تزال، جزءاً من المعسكر الأميركي، الذي تسيّد العالم في العقود الثلاثة الأخيرة، وأودى به إلى التهلكة، والحروب، والاستبداد، والفقر، وانتشار «القاعدة»، و«داعش»، وتدمير العالم تحت غطاء «نشر الديموقراطية» أو محاربة «الإرهاب» الذي غذّاه المحور الأطلسي.
هل يعني ذلك شيئاً لصناع القرار في «بريكس»؟ الذين اختاروا مراضاة بعضهم البعض على حساب أهداف المنظمة المعلنة، وخلصوا إلى ضم أعضاء يحفظون بها توازناتهم من ناحية، ويدمرون بها الجسم الواعد من ناحية أخرى. مثل هذا القرار الفوضوي، بإضافة أعضاء جدد دون معايير بيّنة، قد يفهم منه أيضاً أن الخلاف بين الصين والهند أكثر عمقاً مما يظهر.

رابعاً: بين «مجموعة السبع».. و«بريكس»
بينما حافظت «الدول السبع» (أميركا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، كندا، اليابان وإيطاليا) على هوية المجموعة المُشكّلة منذ 1997، أضاعت حركة «عدم الانحياز» الطريق حين ضمت أعضاء منحازين، والخشية أن تلحقها منظمتا «شنغهاي» و«بريكس».
حين أرادت أميركا استضافة روسيا ضمن «الدول الصناعية الكبرى»، لم تُميّع «نادي الدول السبع»، بل أقامت «مجموعة الدول الثماني». وحين استدعى الوضع التوسّع أكثر من ذلك واسترضاء دول أخرى تشتكي التهميش، أقيمت «مجموعة العشرين»، التي انعقد آخر اجتماع لها في الهند، ولم يتم ضم الأعضاء الثلاثة عشر الجدد إلى النادي السباعي المغلق، المتفاهم نسبياً، وذي التاريخ المديد من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتجارب المشتركة في قمع الجنوب وشعوبه.
كان يمكن لـ«بريكس» الخماسية الحفاظ على هيكلها بما يسهل اتخاذ القرار حتى يقوى عودها، أو توسيع عضويتها بأطراف مؤمنة بالحاجة إلى نظام جديد، ما دامت المنظمة تؤمن بذلك أو تدّعيه، ودعوة دول إضافية، وحتى من لا يتفقون والرغبة في بناء نظام عالمي جديد، في تجمع رديف: «بريكس بلاس» مثلاً، من دون ضمهم إلى المنظمة الأمّ التي قد تضيع الطريق إذا مضت دون حد أدنى من الأهداف والتفاهمات التي يفترض أن يلتزم بها الأعضاء الطليعيون».

خامساً: ما لا يرغب فيه السعوديون
لا يرغب السعوديون في الخوض في «السياسة»، إن صح القول، إذا ما تعلق الأمر بـ«بريكس»، ويفضّلون التركيز على التبادل التجاري، وينظرون إلى التجمع الذي بات يضم 11 عضواً، باعتباره جسماً اقتصادياً وحسب، كما يُفهم من تصريحات وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، في جنوب أفريقيا، حين يقول إن «بريكس أثبتت أنها قناة فعالة ومهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي».
لا خلاف على أن البعد الاقتصادي محوري للغاية، بل هو المحور، لكن الخلاف الأكبر بين أميركا والصين، كأحد أضلاع مثلث «بريكس» الأشهر إلى جانب روسيا والهند، يتعلّق بالسياسة في المقام الأول. فلو كانت الصين جزءاً من «منظومة الشمال»، لما فُرضت عليها عقوبات بشأن «الرقائق الإلكترونية»، ولتم تشجيع «تايوان» على العودة إلى الدولة الأمّ.
من دون العمل على كسر الأحادية الأميركية، لا معنى لتجمع «بريكس»، أليس كذلك؟ والسؤال في محله إن كانت السعودية تنضم إلى منظمة أخرى، أو إلى «بريكس» ذاتها التي نعرفها، وتنضم إليها إيران، التي تتحدّث جهاراً نهاراً عن حيوية المنظمات الجديدة في «دعم التعددية» الدولية.