لا يحتاج تأسيس الجمعية في لبنان إلى ترخيص. جميل. إلامَ يحتاج إذاً؟ الجواب فيه الكثير من الغموض، وقد زاده غموضاً التعميم الجديد الذي أصدره وزير الداخلية زياد بارود. فبين بيان «العلم والخبر» الذي يتقدم به المؤسسون وبين إشهار «العلم والخبر» في الجريدة الرسمية مدة تطول أو تقصر. هل استعاد الأمن العام سلطة الرقابة المسبقة على حرية تأسيس الجمعيات؟ وهل لـ «الأصوليين» دور في كل ذلك؟
بسام القنطار
لا أحد يستطيع تقدير الوقت الذي يستغرقه ملف تأسيس جمعية في أروقة المديرية العامة للأمن العام. والتعميم الجديد الذي أصدره وزير الداخلية زياد بارود، كرّس دور الأمن العام في الرقابة المسبّقة على حرية تأسيس الجمعيات في لبنان. هذه هي الخلاصة التي خرج بها أكثر من باحث قانوني ومختص بالعمل الأهلي لدى قراءتهم نص التعميم. هذا الأمر لم يوافق عليه النائب غسان مخيبر، الذي دافع عن التعديل الذي «اطّلعت عليه قبل صدوره» كما قال في اتصال مع الأخبار.
يأتي هذا التعميم الجديد ليعدّل البند الخامس المتعلق بآلية حلّ الجمعية في التعميم القديم الذي أصدره الوزير السابق أحمد فتفت في أيار عام 2006 ومثّل في حينها تحديداً إدارياً من السلطة الإجرائية لآلية تنفيذ قانون الجمعيات الصادر عام 1909. ولقد أثار تعميم فتفت في حينه جملة انتقادات. حيث رأت أحزاب المعارضة أن فتفت «استفاد من هذا التعميم ليغرق المجتمع المدني اللبناني بمئات الجمعيات الدينية والسياسية من دون مراقبة ومن دون التفات إلى غاية بعضها التي تخالف الدستور اللبناني» (في إشارة إلى حزب التحرير الإسلامي الذي يدعو إلى تغيير النظام اللبناني وإحلال الخلافة محله). يضاف إلى ذلك أن هذا التعميم لم يضع حداً لاستنساب الإدارة في التوقيع على العلم والخبر. حيث أنجزت معاملات مئات الجمعيات المحسوبة على السلطة في أيام معدودة (حزب القوات اللبنانية مثالاً)، وبقيت جمعيات أخرى غير محسوبة عليها تنتظر سنوات.
وتفيد المعلومات أن الوزير بارود وقّع بيانات «علم وخبر» لعشرات الجمعيات الأهلية يعود تاريخ تقديم أوراقها إلى الوزارة إلى عام 2003 وما بعد. ولم يعرف الأسباب الحقيقية التي حالت دون إشهارها ونشر بيانات العلم والخبر الخاصة بها في الجريدة الرسمية.
وفي مراجعة للعدد 38 من الجريدة الرسمية تبين استمرار الاستنسابية في إشهار بيانات «العلم والخبر»، حيث أشهر 22 جمعية بعضها تقدم بطلباته منذ عامين وأخرى منذ شهرين، فيما أغفل بعضها من الفترة نفسها. من بين الجمعيات التي أُشهرت ثلاثة أحزاب سياسية هي: حزب الحركة الوطنية الديموقراطية التي أسسها النائب السابق نجاح واكيم، والحركة الشعبية اللبنانية التي أسسها النائب مصطفى حسين، والحركة الديموقراطية للتغيير.
ويرى النائب غسان مخيبر، أن التعميم الجديد جاء ليضع حداً لمسألة الامتناع عن التوقيع على العلم والخبر إلا بعد الحصول على إفادة الأمن العام. وينص التعديل الجديد على «إحالة بيان العلم والخبر فور توقيعه على المديرية العامة للأمن العام». أي أن الوزير يوقّع العلم والخبر لكنه لا يقوم بتسليمه إلا بعد تحقيقات مديرية الأمن العام التي يمكنها أن تقترح ...رفض تسليم العلم والخبر وحل الجمعية، إذا تبين وجود أي مانع يحول دون استمراره، على أساس مخالفة أحكام المادة الثالثة من قانون الجمعيات (إخلال بالقوانين والآداب العمومية). ولا يتخذ قرار حل الجمعية إلا بقرار صادر عن مجلس الوزراء. هذا القرار بدوره يخضع للطعن أمام مجلس شورى الدولة.
وبحسب المحامي نزار صاغية فإن «هذا التعديل يجعل الأمر يبدو وكأنه يرفع عن وزير الداخلية اي مسؤولية، طالما انه يوقع العلم والخبر دون تأخير. لكن، عند قراءة التعميم يظهر ان العلم والخبر لا يسلم لصاحبه الا بعد ان يبدي الأمن العام رأيه في الجمعية، بحيث ورد فيه صراحة ان للأمن العام ان يقترح عدم تسليم العلم والخبر». ويشير صاغية إلى أن «هذا التعديل فيه الكثير من الغموض. فهو من جهة يبدو كأنه مع حرية تأسيس الجمعيات، لكنه يكرس في الواقع بنص صريح للمرة الاولى دور الامن العام في الرقابة المسبقة على هذه الجمعيات».
وعن هذة النقطة يوضح مخيبر أن «للوزير الحق في تسليم العلم والخبر إذا تأخرت المديرية العامة للأمن العام في تسليم إفادتها حول الجمعية. لكن التعديل لم ينص على ذلك، ويبقى خاضعاً لقرار الوزير». وبحسب مخيبر فإن تحقيقات الأمن العام تعدّ بمثابة «رقابة لاحقة» على تأسيس الجمعية لا تضييقاً على حرية تأسيس الجمعيات.
ويوافق منسق «مرصد الجمعيات الأهلية اللبنانية» عمر طرابلسي، المحامي صاغية رأيه لجهة «غموض التعديل الجديد». ويضيف «يجب ألّا تكون لوزارة الداخلية صلاحية بتّ مخالفة الجمعية المنشأة للمادة 3 من قانون الجمعيات. فهذا الأمر يجب أن يحصر بالقضاء المختص الذي له وحده القرار بحل الجمعية المخالفة». ويشير طرابلسي استطراداً إلى أن العلاقات المرتبكة بين الدولة والجمعيات لا تنحصر فقط في آلية التأسيس «فالتركيز على الجانب الأمني وإناطة العلاقة بشكل أساسي بوزارة الداخلية، حجب قضايا أخرى مثل عدد المنظمات، وماهيتها وتصنيفاتها وانتشارها الجغرافي وتقدير التأثير وإجمالي ميزانياتها وقدرتها على تحريك الموارد التي تظل خفية».
ويرى طرابلسي استطراداً، أن «جوهر المقاربة العلمية لعلاقة الجمعيات بالدولة يجب أن يجري من خلال البيانات المالية والشفافية في الإعلان عن الميزانية. فالدراسات الميدانية السابقة أثبتت أنّ من المستحيل القيام بمثل هذه المهمة ضمن الوضع القائم، حيث يجري تبليغ الدولة بصورة شكلية عن نشاطات الجمعيات وموازناتها السنوية ولا تتمّ مراجعة هذه البيانات والتدقيق فيها من جانب الجهات الرسمية المختصة».