نيويورك ـ نزار عبودوتفيد تجارب الوصايات الدولية بأن المؤقت غالباً ما يغدو دائماً، فضلاً عن أن السيادة الوطنية تصبح منقوصة ومشروطة. وقبول لبنان بالوصاية يعني أنه لم يتعظ من تجارب أخرى في العالم، حيث وضعت بلدان قسماً حيوياً من أراضيها تحت الانتداب الأممي الدائم. والتجربة الكورية، مثلاً، لا تزال ماثلة، إذ تنتشر هناك قوات أميركية تحت المظلة الدولية منذ 55عاماً.
وفي تقرير الأمين العام السابق كوفي أنان لمجلس الأمن في 12 أيلول 2006 يورد مساراً بديلاً لحل المشكلة، قدمه الرئيس المكلّف فؤاد السنيورة، ويقترح فيه وضع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا تحت رعاية الأمم المتحدة حتى تتضح السيادة عليهما. إلا أن أنان يشير إلى أن النطاق الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا غير محدد بدقة، مما يعرقل تطبيق هذا الحل.
وفي تقرير آخر قدمه إلى مجلس الأمن في 30 تشرين الأول 2007 في شأن تطبيق القرار 1701 ، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنه عيّن خبيراً في رسم الخرائط لدراسة النطاق الجغرافي للمنطقة، وقد توصل إلى نتائج أوّلية. وحسب التقرير فإن العملية «لا تهدف إلى ترسيم الحدود الدولية لمزارع شبعا، بل إلى مساعدة لبنان وسوريا في جهودهما للاتفاق على الحدود المشتركة»، متجاهلاً كليّاً احتلال إسرائيل للمزارع. وفي الفقرة 58، حدّد منطقة مزارع شبعا بأنها «تبدأ بنقطة انعطاف الخط الفرنسي لعام 1920 الذي يقع جنوبي قرية المجيدية، ومن هناك تُكمل في اتجاه الجنوب الشرقي على طول حدود مغر شبعا ــــ شبعا لعام 1946، حتى تصل إلى خط وادي العسل، ثم تتبع خط الوادي في الشمال الشرقي وصولاً إلى قمة الجبل شمالي القرية السابقة المعروفة بمزرعة برختا، وتتصل من جديد بخط 1920».
أورد التقرير الكثير من الكلام التقني، بينما تميّز بـ«التهرّب السياسي». فواشنطن غير راغبة في حسم الجدل بعد، والإسرائيليون غضبوا كثيراً من تحديد منطقة المزارع، وأبلغوا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنهم يرون أن المشكلة عالقة بين لبنان وسوريا، و«نقطة على السطر».
وإذعاناً للغضب الإسرائيلي، توقفت مساعي الأمين العام لتحديد جنسية المزارع، علماً بأن سوريا شددت في أكثر من مناسبة على لبنانيتها. وفي الأعراف الدبلوماسية، يكفي أن تقول دولة ما مرة واحدة أن منطقة ما تعود لدولة أخرى لكي يتكرّس الأمر، علماً بأن المندوب السوري في الأمم المتحدة قدّم في27 تشرين الأول 2000 مذكرة إلى الأمين العام ومجلس الأمن تحدث فيها عن عدم إكمال إسرائيل «انسحابها من جنوب لبنان بما في ذلك مزارع شبعا». إلا أن التصريحات السورية المتكررة في شأن لبنانية المزارع تلاقي آذاناً صمّاء، لأن المطلوب منها يتجاوز ذلك إلى الاضطلاع بدور ضد المقاومة.
ويستعد الأمين العام لتقديم تقريره السابع عن تطبيق القرار 1701 أواخر الشهر الحالي. ومن المتوقع أن يتطرق فيه أكثر من السابق إلى مسألة احتلال المزارع، معبّراً عن التوجه العام نحو الحل. ويستبعد مراقبون نقل السيطرة على مزارع شبعا إلى القوات الدولية، في إطار حل منقوص في المنطقة. وإذا تحقق الأمر، فإن قوات اليونيفيل في الجنوب والأندوف في الجولان ستصبحان على تماس مباشر. وهي حالة لا نظير لها في تاريخ عمليات حفظ السلام منذ 62 عاماً.