طارق ترشيشي
لو قدّر لجلسة الجمعة الماضي أن تعقد، لكان للبنان اليوم رئيس اسمه ميشال إده، لكن الرياح الإقليمية والدولية سارت عكس ما تشتهي السفن المحلية، فتعثّر التوافق وجاءت تلك الجلسة تكراراً لسابقاتها التي تلاحقت منذ 25 أيلول الماضي، تكراراً ممجوجاً لم يتغيّر في مشهده أي شيء سوى «الخلوة» التي عُقدت بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وخروج الأخير من دائرة التصعيد إلى «آفاق الهدوء».
لكن تأجيل الجلسة إلى الجمعة المقبل لم يسقط ترشيح إدّه، لكنه كشف «عورة» اللائحة البطريركية التي ورد اسمه فيها، وفتح (بموافقة البطريرك الماروني نصر الله صفير) باب البحث في أسماء مرشحين من خارجها. و«رفعاً للعتب»، كان صفير قد وضع في هذه اللائحة أسماء العماد ميشال عون والنائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود، وهو يدرك مسبّقاً أن هؤلاء لن تتفق الموالاة والمعارضة على أي منهم، أما بقية الأسماء فجاءت في غالبيتها محسوبة على فريق 14 آذار، من النائب روبير غانم إلى ميشال بشارة الخوري، علماً أن وضع اسم رياض سلامة إنما وقع على سبيل كشف نيّات الفريقين إزاءه ومدى استعدادهما للقبول بتعديل دستوري يتيح انتخابه.
وقد كشفت التطورات أنه كان المطلوب أميركياً من وزراء الترويكا الأوروبية بقيادة فرنسا أن يحسموا الملف اللبناني قبل انعقاد مؤتمر أنابوليس، لتذهب إليه واشنطن وفي يدها ورقة رابحة، لكن ما توصّل إليه هؤلاء الوزراء هو «تعليق» هذه الورقة بديلاً من خسارتها نهائياً، مما يعني أن لا حلّ للأزمة الرئاسية في لبنان قبل تبلور نتائج ذلك المؤتمر، وأن جلسة الانتخابات الرئاسية المقررة الجمعة المقبل هي بمثابة جلسة «ربط نزاع» يراد منها أميركياً طمأنة الموارنة إلى أن أميركا مهتمة بوجوب انتخاب رئيس جمهورية للبنان وغير متناسية لهذا الملف.
لكنّ السؤال المطروح هو هل الظروف الموضوعية تؤكد أن جلسة الجمعة يمكن أن تنتج انتخاب رئيس جديد؟، الجواب هو أن هذه الجلسة قد لا تُعقد لأنْ لا شيء تغيّر بعد في الظروف والمعطيات القائمة. ولذا فإن هذه الجلسة ستكون في أحسن حالاتها حضوراً نيابياً إلى ساحة النجمة في «كزدورة سياسية»، علماً أن بري يمكن أن يؤجل هذه الجلسة قبل موعدها، لأن الظروف السياسية لم تتغيّر.
فمؤتمر أنابوليس الذي سيُعقد الثلاثاء المقبل ستنتهي أعماله نهاية الشهر، أي في 30 الجاري، موعد جلسة انتخاب الرئيس الجديد، لكن كل الأطراف الخارجية، لا المحلية فقط، التي تمثّل حجر الأساس في الملف اللبناني ستنتظر على الأقل فترة أسبوع حتى تعود الوفود إلى بلدانها، لتتبلور نتائج المؤتمر إن وجدت، لأن كل المعطيات القائمة تؤكد أن لا نتائج عملية متوقعة منه وخصوصاً أن الإدارة الأميركية بدأت تروّج لتأليف لجنة متابعة لهذا المؤتمر قبل انعقاده بغية إبقائه في «حالة التنفس الاصطناعي» لئلا يموت. وفي هذه الحال يكون قد مضى أسبوعان وبات الجميع على مشارف أعياد الأضحى والميلاد ورأس السنة، حيث تتعطّل الدبلوماسية المحلية والعربية والدولية، وبالتالي يمر النصف الأول من الشهر المقبل من دون أن يتبلور أي شيء، ومن ثم يقفز الجميع إلى الأسبوع الأول من السنة الجديدة 2008، التي ستكون معطيات الحل وإشاراته خلالها غير ما هي عليه في 2007 الجارية، لأن الإدارة الأميركية ستدخل خلالها في سنة انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش وهي في مواجهة ملفّين، الأول اسمه العراق والثاني اسمه لبنان. ومن الطبيعي أن الأول سيكون الأكثر أهمية واهتماماً لدى واشنطن، مما سيُدخل لبنان في حالة انتظار طويلة المدى.
إلاّ أن ما يمكن أن يخرق هذا الجمود، استمرار السعي إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي عبر الحوارات الداخلية بين بري والحريري والبطريرك صفير وغيرهم.
ويعزو البعض صيرورة عامل الهدوء قاسماً مشتركاً بين الموالاة والمعارضة لسببين:
ـ الأول هو أن الموالاة التي تعتبر نفسها أنها أمسكت بكل مقاليد السلطة بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، باتت ترى أن الأفضل لها أن تمارس هذه السلطة في ظل شارع هادئ وظروف أمنية مستقرة علّها تستطيع أن تحقق مكاسب إضافية في التسوية الموعودة بينها وبين المعارضة.
ـ الثاني هو أن الإمكانات المادية الميدانية بالمعطى العسكري والأمني ليست راجحة لكفّة الموالاة، وهذا ما دفع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إلى الالتفاف على مواقفه السابقة والعودة إلى لغة الحوار والتوافق وحماية الجبل من أي توتر أو تدهور أمني.
وفي ضوء ذلك، فإن الوقائع السياسية الإقليمية والدولية خصوصاً تشير إلى أن الانتخابات الرئاسية في لبنان لن تكون قريبة الإنجاز، ويمكن أن يخرق الجمود و«سلطة الفراغ» تحرّك «التيار الوطني الحر» الذي سينطلق تحت عنوان الحفاظ على مصلحة الموارنة الذين خسروا آخر حصن لهم في النظام وأصبحوا مهمّشين سواء كانوا خارج الحكم كمعارضة أو في داخله كموالاة، حيث إن الصوت المسيحي يفقد فعّاليته عندما يذوب في القرار الجماعي لمجلس الوزراء.