طارق الترشيشي
بعد أيام أو أسبوع أو أكثر، سيُعقد لقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني نصر الله صفير ليدشّنا خلاله اتفاق تنسيق وتعاون على إيجاد المخارج المطلوبة للأزمة انطلاقاً من حكومة الوحدة الوطنية والاستحقاق الرئاسي وما بينهما، إذ إن كليهما والجميع يتحسّسون مخاطر وقوع البلاد في الفراغ إذا لم يتمّ انتخاب رئيس جمهورية جديد ضمن المهلة المرعية الإجراء وعدم الاتفاق على البدائل الدستورية الملائمة.
وحتى الآن، فإن كل المعطيات والوقائع الماثلة في الساحة السياسية تصب في خط التشاؤم نتيجة للتباعد القائم بين الموالاة والمعارضة بسبب تمسك كل منهما بأولويته، الموالون يريدون رئيساً من جلدتهم على أن تكون حكومة الوحدة الوطنية الخطوة التالية لانتخابه، أما المعارضون، فيتمسكون بحكومة الوحدة والمشاركة مدخلاً لاتفاق على إنهاء الأزمة، يكون رئيس الجمهورية الجديد أحد بنوده.
وفي هذه الأجواء يُنتظر أن يستعيض بري في إطار المبادرة التي يعتزم إطلاقها عن طاولة الحوار بعقد لقاءات حوارية ثنائية مع أقطاب مؤتمر الحوار الوطني، ليبحث معهم في السبل الأنجع لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في إطار حل توافقي لا يهمل تأليف حكومة شراكة باتت حاجة وطنية للبلاد في هذه المرحلة بعدما كانت مطلب المعارضة. وهذه اللقاءات سيكون مقرها قصر عين التينة، أو أي مكان تتوافر فيه الشروط الأمنية اللازمة.
وإذا كان بري ينتظر أجوبة أميركية عن أسئلة وجّهها الى إدارة الرئيس جورج بوش، حلّها يركز على الاستحقاق الرئاسي ومستقبل الأزمة بين الموالاة والمعارضة، فإنه يعلّق أهمية كبرى على قيام تعاون فاعل بينه وبين البطريرك صفير يتخطّى التمنيات الى إقناع الجميع بخطوات عملية تنقل لبنان من أتون الأزمة الى آفاق الحلول.
وفي هذا الإطار، يرسم قطب سياسي صورة لما سيدور بين بري وصفير في اللقاء المنتظر انعقاده بينهما، فيقول إن بري، سيدخل مع رأس الكنيسة المارونية في عمق الأزمة، ويؤكد له أن الكلام عن التوافق لإنهاء الأزمة وإنجاز الاستحقاقات الداهمة «ليس قصيدة ولا قطعة أدبية، انما هو مقترحات محدّدة»، وأنه سيسأله: هل تستطيع يا صاحب الغبطة اذا ما توافقت معك على اقتراحات محدّدة في شأن الاستحقاق الرئاسي، إقناع الموالاة بها صيغة وموعداً وأشخاصاً على أن أتعهد في المقابل إقناع المعارضة بها. بما يؤدي الى الانتقال من الموقف الداعي الى الموقف العملي، وخصوصاً أن المطلوب منك ليس إقناع كل فريق الموالاة، بل إقناع مسيحيي الموالاة، باعتبار أن الأطراف الموالين الآخرين ردّدوا مراراً أن المسيحيين الموالين مخوّلون من سائر أطراف الموالاة اتخاذ الموقف المناسب من موضوع الاستحقاق الرئاسي».
ويضيف هذا القطب السياسي، في تصور ما يمكن أن يدور في لقاء بري ـــــ صفير، فيقول إن رئيس المجلس، سيلفت رأس الكنيسة المارونية الى حصرية القرار بمسيحيي الموالاة في شأن موضوع التوافق والقبول بشخصية حسبما أفصح أخيراً نائب رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» جورج عدوان عندما قال إننا متفقون مع 14 آذار على أن مسيحيي الموالاة هم من يتحدثون في هذا الموضوع، وسيسأل بري صفير: «هل يمكنك إقناع هؤلاء باستحالة انتخاب رئيس من صفوفهم إذا ما كان المطلوب رئيساً توافقياً، فإذا كانت هذه تمثّل عقدة فإن العقدة المقبلة هي مطالبة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بأنه هو صاحب الحق المشروع في الرئاسة، لكونه يتمتع بتمثيل واسع على المستوى المسيحي، فكما عليك يا صاحب الغبطة أن تتفاهم مع هؤلاء، يجب أن تسعى الى التفاهم مع العماد عون».
إلّا أن هذا القطب، يرجّح أن تؤول الأمور الى الإتيان برئيس توافقي، متوقعاً أن ينجح بري في مسعاه، أو في المبادرة التي يعدّ لها، لأن كل القوى الداخلية والخارجية المعنية بالوضع اللبناني أو العاملة ضمنه، تلتقي على أن الوضع اللبناني سيكون في خطر كبير إذا لم يتم انتخاب رئيس، فلا الأميركي يستطيع تحمل وزر الإتيان برئيس منحاز إليه من فريق 14 آذار، سواء بأكثرية الثلثين او بالأكثرية المطلقة، ولا الأطراف العرب يستطيعون تحمّل نشوب حرب في لبنان قد تأخذ منحى مذهبياً، ولا حتى الأطراف الداخليون يستطيعون أن ينساقوا الى حرب ليس فيها تكافؤ أو توازن قوى، وحتى الفريق القوي بينهم يفضل التوافق على الحرب الداخلية التي يريد البعض أن يوّرطه فيها.
لذا يعتقد هذا القطب، أن كل ما يطرح حالياً حول الشأن الرئاسي يعدّ مبادرات لا ممنوعات، وأن إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالتوافق، فيه مصلحة للجميع الآن وفي المستقبل.