strong> ثائر غندور
يجلس وصديقه علي عند مدخل الجامعة العربية المفتوحة في بدارو، يناقشان خطاب السيّد حسن نصر الله الأخير، «كنت أتوقع أن يُصعّد أكثر» يقول مصطفى. يصرّ على الحديث عن السياسة، «شو لازم تعمل المعارضة؟» يسأل ويجيب وحده: «ما فينا ننتظر جماعة 14 شباط». الجامعة «حرقت» قلب مصطفى، فالسياسة بالنسبة له هواية ككرة القدم بالنسبة للبعض أو كرة الطاولة، «فلا سياسة هنا، أصلاً لا حياة جامعية». وما زالت لقاءات مصطفى وسهراته تقتصر على زملاء له في الجامعة العربية حيث درس فصلاً واحداً، «أما علي فهو جاري، لذلك ألتقيه في الجامعة».
حالة مصطفى منتشرة في الجامعة العربية المفتوحة، ورفا التي تنهي دراستها هذا الفصل، ترى أن الجامعة لم تؤمّن لها فرصة التعرّف واللقاء بأشخاص جدد، فالطالب الذي تلتقيه في صف، قد لا تعود وتلتقيه إلا بعد سنة أو أكثر ربما. تنظر صوب صديقتها، وتضيف: «زينب هي الغنيمة الوحيدة التي خرجت بها من الجامعة». ويلتمع الأسى في عيني رفا، إذ شكّل أصدقاء المدرسة حياةً جديدة لهم في جامعاتهم «ولم أعد ألتقيهم»، ولم تستطع أن تكوّن صداقات جديدة. أما زينب التي تعمل محاسبة في أحد المحال التجارية في الجنوب فتوافق صديقتها، وتضيف: «في الجامعات العادية 60% من الطلاب يعقدون علاقات، وربما يرتبطون، أما هنا فيتدنّى العدد ليصل إلى 2%». وتقرّ بأن هذه الأرقام ليست إحصاءات دقيقة إنما مجرد تقديرات.
المشكلة التي يعانيها طلاب الجامعة العربية المفتوحة، تتعلق على نحو أساسي بطبيعة الدوام، فأغلب الدوامات تقع بين الخامسة بعد الظهر والتاسعة مساء، ويحضر الطلاب صفوفهم ثم ينصرفون للاهتمام بأمور أخرى، ولا سيما أولئك الذين يعملون. لذلك، فإن الطلاب الذين لا يعملون، ويرغبون ببناء علاقات اجتماعية، يعانون صعوبة. اتفق جعفر وأصدقاؤه على التسجّل في الصفوف ذاتها حتى يبقوا على اتصال. يمضون أيامهم في كافيتيريا الجامعة الصغيرة نسبياً أو في الكافيتيريات المنتشرة في محيط الجامعة. يأتون قبل صفوفهم بساعات ويرحلون إلى المنازل مع الغروب، والأحاديث بسيطة جداً: «أنا ألطّش الصبايا وأشكّ عليهن» يقول جعفر، أما الصبايا فيرشدنه كيف يتعاطى مع الأخريات. وفي بعض الأحيان تكون الـ TMA (الأبحاث الجامعية) محور الحديث. فتتم كتابتها بشكل مشترك، أو يصحّح أحدهم أخطاء البقية أو يكتب البحث لزميل آخر.
زياد وحسين، تعهّد واحدهما للآخر البقاء معاً في السرّاء والضرّاء، شريكين في «الليخة». ينضم إليهما الزملاء حسب التوافر، ولا يرضون إلا بلاعبين من مستوى «اكسترا»، «فنحن لا نتسلى هنا فقط، بل نطوّر مهاراتنا في الليخة» يقول حسين. وتشكّل الكافيتيريات المحيطة ملجأً للكثير من الطلاب الذين يريدون تمضية أوقاتهم في محيط الجامعة. فالأسعار في هذه المقاهي منخفضة نسبياً، ويقدّم عدد منها أسعاراً خاصة للطلاب. عبد، أو «عبودي» كما يحب أن يناديه الجميع، أوقف دراسته وفضّل العمل في أحد هذه المقاهي، والسبب بسيط: «هيك هيك عم مضّي وقتي بالكافيتيريا». ولا يعاني عبودي أي مشكلة مع الزبائن الذين هم أصلاً أصدقاؤه، «وبس يكون فيه ضغط بيساعدوني».
يجتمع في هذه المقاهي طلاب الجامعة العربية ومعهد C &E الجامعي، وتشكّلت علاقات بينهم إلى درجة أن بعضهم أصبح يعتبر الكافيتيريا بيته. ففيها يدرسون، يصاحبون، يأكلون... باختصار يمضون فيها أغلب أوقاتهم حتى المسائية منها. ماذا يميّز هذه الكافيتيريا عن تلك الموجودة في الجامعات؟ يجيب شكيب فوراً: «هنا فيه نرجيلة، وهنا عشّاق club». ويشبّه الشابات اللواتي يتردّدن على الكافيتيريا بـ«أخواته»، وحتى إذا جاءت صبية جديدة وأراد أن يتعرّف بها، تقوم إحدى زميلاته بـ«الواجب». فشكيب لا يجرؤ على التودّد إلى إحداهن مباشرة! «يمكن يكون معها شباب وبيركب مشكل، وهذا ليس من مصلحتي أو مصلحة الكافيتيريا».
«أحيينا المنطقة» تقول أم مازن، (صاحبة أحد المقاهي)، وقد تحوّلت أمّ مازن إلى أمّ للجميع هناك. تحلّ مشاكل هذا أو ذاك، وتفتخر بكون كافيتيريا ابنها «عملت حركة شباب وصبايا في بدارو»، وتسأل ولا تنتظر جواباً: «ليش فيه أحلى منهم؟».

من الهندسة إلى Maz Café

ينتقل من وراء البار لينضمّ إلينا حول إحدى الطاولات، «شو بدكن تشربوا؟ عَ حسابي عالمرّة». مع ارتشافة القهوة الأولى، يبدأ مازن روماني الحديث عن نفسه. يحمد ربّه: «الشغل ماشي». ثم ينتقل للحديث عن «Maz Café». أخذ قرضاً من شقيقه ليباشر مشروعه الجديد بعدما غادر عمله السابق. كان يعمل في الـ House of donuts، لكن الراتب لم يكن كافياً، وقد ملّ الجو هناك. يعتقد مازن أنّ مجرد البدء بعمل خاص ومستقل أمر إيجابي، ويقول إنّ عمله المتواصل في المطاعم والمقاهي جعله يكسب خبرةً في هذا المجال. فقد عمل موظفاً في مطاعم عدة، ليدفع الأقساط الجامعية ويتمكن من شراء بعض الحاجات.
يتحدث عن تلك المرحلة بحسرة: «نلت شهادةً في هندسة الميكانيك بعد ثلاث سنوات في الجامعة اللبنانية وسنتين TS». ينقل نظره نحو البار، فيتوجّه الى مساعده في المقهى قائلاً: «علي، ما تنس واحدة جبنة لبرّا»، ثم يكمل «انتهيت من دراسة الميكانيك عام 2001 ثم بدأت دراسة هندسة الاتصالات في جامعة «نورث ويست كاليفورنيا» عبر المراسلة»، وقدّم امتحاناته في الولايات المتحدة.
قدّم 104 نسخ عن سيرته الذاتية، لكنه لم يستطع حتى التدرّب في أيّ من الشركات التي راسلها. يقول إنّ انعدام «الواسطة» هو سبب فشله في هذا المجال: «حتى الـTraining بدو واسطة»، ليلتفت بعدها إلى اليسار ثم إلى اليمين ويرى ما إذا كان أحد الزبائن بحاجة إلى خدمة.
لا ينوي مازن ترك عمله الحالي ليعود إلى الهندسة، فالمقهى مربح أكثر، كما أنّ حركة طلاب الجامعات والمعاهد المحيطة تسهم في تحريك عملية البيع. ثم إنه بعد سنتين من الابتعاد عن مجال دراسته، نسي ما تعلّمه في الاختصاصين. المشكلة، حسب مازن، لا تكمن فقط في الـ «الوسايط» بل أيضاً في الرواتب المنخفضة. ويعتقد أنّ عمله الحالي يتطلّب منه مجهوداً، إضافةً إلى مسؤولية كبيرة في سدّ ديونه لشقيقه وتقديم طعام وشراب جيدين للزبائن.
يخطط اليوم فقط لتوسيع «Maz Café»، لعلّه يسيّر أموره ويبني مستقبله، ففي سنّ السابعة والعشرين «عليّ الاهتمام أيضاً بحياتي الشخصية!».
ن. ف.