رزان يحيى
ساحات قلب المدينة امتلأت. الطرقات المؤدية إليها غصت بزحمة السيارات والباصات التي أمنتها قوى المعارضة لنقل مؤيّديها. من الشمال والجنوب، الجبل والبقاع، من بيروت. وفي المقابل، وقف السكان الموالون للحكومة، الذين صودف أن منازلهم تطلّ على الطرقات المؤدية إلى مكان التظاهرة، على شرفاتهم لمقارنة الحشود بتلك التي نزلت في التظاهرات الآذارية.
صباح الأمس، بعثت رسائل خلوية قصيرة (SMS) باللغتين العربية والأجنبية إلى اللبنانيين تحثّهم على رفع العلم اللبناني: «بتحبّ لبنان رفاع علمو ضد الشارع على كل بلكون». رفعت الأعلام، في مناطق مختلفة، وبين منطقة وأخرى اختلفت الأسباب. البعض كان يريد إظهار أن «النظام السوري الإيراني المشترك عبر عملائه في الداخل» هو الأقلية الحقيقية، وآخرون رأوا أنّ رفع العلم على الشرفات طريقة ديموقراطية وحضارية «لدعم الحكومة والتأكيد على المحكمة الدوليةعلى طريق الجديدة، كما في رأس النبع، تستطيع تعداد الأعلام المرفوعة ونسبتها (علمان على شرفه واحدة). آمال تسوّغ وضعها العلم على شرفة منزلها بالقول: «كرمال عيون الشيخ سعد» التي علقت له صورة إلى جانب العلم. بينما رأى أحمد أن العلم على الشرفة «له بعد ديموقراطي، كي يرى المتظاهرون أن الموالاة أكثر» علماً بأن قلة من المنازل التزمت قرار الرسائل الخلوية، والسبب حسب وفاء عدم توافره في المنزل.
تحت جسر البربير علم لبناني مصنوع من النايلون يتدلى من عربة قهوة صغيرة، صاحب العربة يقول إنه يرفعه منذ زمن لأنه «لبناني من بيروت». ويؤكد أنه ليس فقط بيروتي، بل يقوم بأي عمل «لعيون بيت الحريري»، ويشير الى أنه ربح كثيراً في الأمس لأن المتظاهرين شربوا الكثير من القهوة والشاي، لكنه يفضل أن يظل من دون عمل «إذا كان الذين يشترون يريدون إسقاط الشيخ».
أما في الأشرفية، فانتشرت أعلام متفرقة في زواريبها. في كرم الزيتون حصل توتر بين أبناء المنطقة، فنصف سكان المنطقة «عونيون» والنصف الآخر «قواتي». وبين البرتقالي المتوجه نحو وسط المدينة والموالي على الشرفات، دارت مزايدات بين الجيران حول «الأقلية والأغلبية». فرح وزعت أعلاماً قواتية ولبنانية على طول شرفتها وهي متوترة لأن الحشد المتوجه نحو ساحة الحرية «كثير»، مؤكدة أن النصف سيكون «سوري أو إيراني». جورج، من جهته، رأى أن العلم دليل على أنّه «لبناني 100%»، ونوال أكدت أنه إثبات على شرعية الحكومة. أما فادي فرأى «بالحشد الهزيل» طريقة فاشلة لإفزاع اللبنانين بعد أن فشلوا عبر الطرق التقليدية مثل «التفجير والقواص».
«دم الشهيد بيار بعد ما نشف» جملة رددها الكثيرون ممن جلسوا في منازلهم أو تجمعوا على الطرقات بانتظار إحصاء المساء... لتبدأ المقارنة. وفي الجبل، اختارت الموالاة تعليق ملصقات «نحب الحياة» والتزمت بها باصات النقل العام «الموالية»، بهدف التمييز بينها وبين المتظاهرين، مع رفضها نقل المتظاهرين إلى بيروت.
فسيفساء الانقسام ظهرت بالأمس في الشرفات... والطرقات. المناطق والمنازل صبغت نفسها هذه المرة سياسياً، لا طائفياً. فقسم نزل إلى الشارع لإسقاط الحكومة، وآخر اختار تشبثه بالأعلام اللبنانية على شرفات المنازل.