على وقع تقارير علمية أكدت أن ارتفاع درجات الحرارة (فوق معدلاتها المعتادة بسبب تغير المناخ) يقتل، ينتقل العالم إلى مستوى جديد من الحديث عن الحقوق والعدالة والتقاضي. وفي ضوء الانتقال من الحديث عن التغيرات المناخية إلى الكوارث المناخية، وضع آخر اجتماع للدول الأطراف في شرم الشيخ، نهاية العام الماضي، على جدول أعماله موضوع «الخسائر والأضرار» الذي يفترض أن ينتهي النقاش في آلياته مع تحديد من عليه التعويض عن الخسائر والأضرار التي تنجم عن الكوارث المناخية.بحسب دراسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة التي نشرت الأسبوع الماضي، زاد العدد الإجمالي للقضايا المعروضة على المحاكم بشأن تغير المناخ بأكثر من الضعف منذ عام 2017، والنسبة آخذة في الارتفاع في كل أنحاء العالم. وتُظهر النتائج التي نشرها البرنامج ومركز «سابين» لقانون تغير المناخ في جامعة كولومبيا، «أن التقاضي المناخي أصبح جزءاً لا يتجزأ من تأمين العمل المناخي والعدالة». إلا أن الدراسة لم توضح تماماً مَن يحق له المقاضاة وضدّ مَن، وعلى ماذا سيتم الاستناد في المراجعات والدعاوى، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو الدولي، وهل سيتم تحميل المسؤوليات إلى دول أم مؤسسات وشركات وأفراد؟
عندما كان النقاش يُفتح حول الخسائر والأضرار في مؤتمرات المناخ، سرعان ما كان يقفل بحجة أن التعويضات هي من مسؤولية شركات التأمين العالمية. إلا أنه مع التقديرات التي تجاوزت 30 مليار دولار لخسائر فيضانات باكستان العام الماضي، ومع تقدير خسائر الكوارث المناخية التي يشهدها العالم سنوياً بشكل متسارع بتريليونات الدولارات، انتقل البحث إلى تحديد الدول المسؤولة تاريخياً (أو حالياً) عن الانبعاثات العالمية التي تتسبّب في تغير المناخ، وبالتالي في هذه الكوارث. كذلك توقف المتابعون عند تصريح جون كيري، المبعوث الأميركي الخاص المعني بتغير المناخ، في جلسة استماع في الكونغرس، والذي أكّد فيه أن بلاده لن تساهم في التعويض على الدول النامية المتضررة من كوارث ناجمة عن تغير المناخ. وسبق أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية ذات الصلة (ثم عادت، ما يطرح أمام المتقاضين والمحاكم الدولية والمحلية السؤال الآتي: هل يتم الاستناد، لتحميل المسؤوليات، على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة أم على تعهدات الدول ومدى التزامها بالاتفاقيات؟ ومَن سيقوم بجرد الانبعاثات وكيف، ولا سيما بعدما تخلت اتفاقية باريس عن إلزاميتها، واستخدمت تعابير مثل «المساهمات المحددة وطنياً»، اي أن كل بلد يحدد بنفسه ما يريد من إجراءاته وسياساته وحجم تخفيضاته، وليس ضمن معايير والتزامات مفروضة أُممياً… فعلى أي أساس سيتم تحديد وتحميل المسؤوليات، ولا سيما التاريخية منها، مع العلم أن إحدى خصائص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أنها «تتراكم» في الجو؟ وكيف ستحدد هذه الانبعاثات التاريخية لتقدير حجم التعويضات التي يجب دفعها؟ وأي عدالة مناخية يمكن أن تتحقق عندما تنسحب الدول من الاتفاقيات وتتراجع عن التزامات من دون أن تكون هناك بنود عقابية في الاتفاقيات ذات الصلة؟
غالبية القضايا المناخية رُفعت في الولايات المتحدة و17٪ في البلدان النامية


يستند التقرير الذي جاء تحت عنوان «التقرير العالمي للتقاضي بشأن المناخ: استعراض الحالة لعام 2023»، إلى الحالات التي تركز على قانون تغير المناخ أو السياسة أو العلوم التي جمعتها قواعد بيانات التقاضي بشأن تغير المناخ في الولايات المتحدة والبيانات العالمية التابعة لمركز «سابين» حتى 31 كانون الأول 2022. ويستنتج «أن الناس تتجه بشكل متزايد إلى المحاكم لمكافحة أزمة المناخ، ومحاسبة الحكومات والقطاع الخاص وجعل التقاضي آلية رئيسية لضمان العمل المناخي وتعزيز العدالة المناخية». ويقدم التقرير لمحة عامة عن أهم قضايا التقاضي بشأن المناخ في العامين الماضيين، بما في ذلك التطورات التاريخية. ومع تزايد النزاعات المتعلقة بالمناخ من حيث التكرار والحجم، تتكرّس بشكل متزايد سوابق قانونية تشكل مجالاً من المجالات القانونية المحددة جيداً.
ويبيّن التقرير أن غالبية القضايا رُفعت في الولايات المتحدة، إلا أن التقاضي بشأن المناخ يكتسب زخماً في كل أنحاء العالم، إذ تُرفع حوالى 17٪ من القضايا في البلدان النامية، بما في ذلك في الدول الجزرية الصغيرة النامية. وتم رفع هذه التحركات القضائية في 65 هيئة حول العالم: في المحاكم الدولية والإقليمية والوطنية، والمحاكم المحلية، والمحاكم العليا، والهيئات شبه القضائية والمحاكم الأخرى، بما في ذلك الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة ومحاكم التحكيم. ويتوقع أن يزداد التقاضي بسبب الفجوة المتزايدة بشكل مخيف بين مستوى خفض غازات الدفيئة الذي يحتاجه العالم لتحقيق أهدافه المتعلقة بدرجة الحرارة، والإجراءات التي تتخذها الحكومات فعلياً لخفض الانبعاثات. وسيؤدي هذا حتماً إلى لجوء مزيد من الأشخاص إلى التقاضي عبر المحاكم. وأشار التقرير إلى حالات ملحوظة حيث تم الطعن في قرارات الحكومات المستندة إلى تناقض المشاريع مع أهداف اتفاق باريس أو مع الالتزامات الوطنية للوصول إلى مستوى صفر للانبعاثات. وإلى ذلك، أدى الوعي المتزايد بآثار تغيّر المناخ في السنوات الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات ضد الشركات، بما في ذلك تلك التي تسعى إلى تحميل الشركات العاملة في مجال الوقود الأحفوري والشركات الخاصة المسؤولية عن الأضرار المناخية وغيرها من بواعث غازات الاحتباس الحراري.
ووفقًا لتوقعات التقرير، سيزداد في المستقبل عدد القضايا المتعلقة بالهجرة بسبب المناخ، والحالات التي قدمتها الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية والمجموعات الأخرى المتأثرة بشكل غير متناسب بتغير المناخ، وأخيراً، القضايا المتعلقة بالمسؤولية بعد وقوع الأحداث المناخية الشديدة. ويتوقع التقرير أيضاً تحديات في تطبيق علم الإسناد لتغير المناخ، فضلاً عن زيادة حالات «ردود الأفعال العنيفة» ضد المتقاضين بشأن المناخ لإبطال القوانين التي تعزز العمل المناخي.



«سوابق» قانونية
- قررت المحكمة العليا في البرازيل أن اتفاق باريس هو معاهدة لحقوق الإنسان تتمتع بوضع «يتجاوز الحدود الوطنية».
- أمرت محكمة هولندية شركة «شل» للنفط والغاز بالامتثال لاتفاق باريس وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% من مستويات عام 2019 بحلول عام 2030. وكانت هذه المرة الأولى التي تقرر فيها محكمة أن شركة خاصة تتحمل واجباً بمقتضى اتفاق باريس.
- ألغت محكمة ألمانية أجزاء من القانون الفيدرالي لحماية المناخ باعتباره غير متوافق مع الحق في الحياة والصحة.
- قضت محكمة في باريس بأن تقاعس فرنسا في التعامل مع مشكلات المناخ وفشلها في تحقيق أهداف ميزانية الكربون قد تسبب في أضرار بيئية متعلقة بالمناخ.
- خلصت محكمة بريطانية إلى أن الحكومة فشلت في الامتثال لواجباتها القانونية بموجب قانون تغير المناخ لعام 2008 عند الموافقة على استراتيجية الوصول إلى مستوى صفر للانبعاثات.
- تبذل الدول الجزرية الصغيرة النامية جهوداً للحصول على آراء استشارية بشأن تغير المناخ من محكمة العدل الدولية والمحكمة الدولية لقانون البحار.