دبي | تُفتتح اليوم القمة 28 للمناخ في دبي على وقع مزيد من الكوارث المناخية، تضاف إليها كوارث الحروب المتمادية في أوكرانيا وغزة. ويأتي اجتماع الدول الأطراف الموقّعة على الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ حرجاً جداً هذا العام، في ظل الزيادة في ارتفاع درجات حرارة الأرض وتسجيل أرقام قياسية جديدة، وانعدام الأمل في التزام الدول بخفض انبعاثاتها، وعدم وفاء الدول المتقدّمة بالتزاماتها لناحية التمويل. وتأتي أهمية اجتماع هذا العام لكونه موعداً لتقديم التقييم العام حول مدى التزام الدول باتفاقية باريس، والذي يظهر عدم الالتزام وعدم السير على الخط المطلوب للحؤول دون تجاوز درجات حرارة الأرض درجة ونصف درجة. ومن يراجع التقارير التي تزامن إطلاقها مع موعد انعقاد الكوب، ولا سيما تلك المتعلقة بمراقبة مشاريع الدول للاستثمار في الوقود الأحفوري، يتأكد أن الفجوة بين الالتزامات بخفض الانبعاثات ومشاريع الاستثمار في الوقود الأحفوري لا تزال تتّسع، منذ أن صدر تقرير وكالة الطاقة الدولية قبل عامين بمناسبة انعقاد الكوب 26 في غلاسكو، والذي قالت فيه إنه إذا أراد العالم أن يطبّق اتفاقية باريس لكي لا تتجاوز حرارة الأرض درجة ونصف درجة، عليه أن يوقف أي مشروعات جديدة للوقود الأحفوري ولا سيما للفحم الحجري والنفط والغاز. وبيّن تقرير فجوة الإنتاج الذي حمل عنوان «هل نسير نحو الخفض التدريجي للوقود الأحفوري أم العكس؟»، أن كبار منتجي الوقود الأحفوري يخطّطون لمزيد من الاستخراج رغم تعهداتهم المناخية. وقد شارك في التقرير معهد ستوكهولم للبيئة، ومعهد Climate Analytics، ومركز أبحاث E3G، والمعهد الدولي للتنمية المستدامة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. انطلاقاً من ذلك يمكن توقّع نتائج هذه القمة قبل أن تبدأ، وأن النتيجة لن تكون مرضية رغم التعهدات الجديدة التي ستصدر والمبادرات الجديدة التي سيتم إطلاقها. هذا لناحية الموضوع المركزي لهذه المفاوضات المتعلقة بتخفيف الانبعاثات. أما على مستوى التكيّف مع التغيرات المناخية، فستحاول الدول النامية في المؤتمر، كما في العادة، أن تزيد من نسب التمويل التي تذهب إلى التكيّف لتصبح مناصفة بين التخفيف والتكيّف، بعد أن كانت 20% للتكيّف و80% للتخفيف.في مؤتمر دبي، تحاول البلدان النامية أيضاً أن تتابع الإنجاز الذي حقّقته العام الماضي في شرم الشيخ عندما فرضت وضع صندوق الخسائر والأضرار على جدول الأعمال، وشكّلت لجنة لوضع أسسه وهيكليته ومهامه… عبر التمسك بتحميل «المسؤولية التاريخية» عن الانبعاثات للدول الصناعية الكبرى. إلا أن جدلاً مستجداً بدأ هذا العام بقوة حول المسؤولية الحالية أيضاً للدول الأكثر تلويثاً وتسبباً بالكوارث المناخية، ولا سيما تلك التي فاقت انبعاثاتها الدول المتقدّمة تاريخياً، والصين خير مثال على ذلك، رغم أنها لا تزال تُصنف بين البلدان النامية. بالإضافة إلى الجدل الذي سيُفتح حول تسليم صندوق الخسائر والأضرار للبنك الدولي (حتى ولو بشكل مؤقت كما هو مقترح) لكونه كان مسؤولاً تاريخياً عن إدارة الديون حول العالم، بينما نحن الآن أمام تعويضات (هبات) يفترض أن تدفعها الدول المتقدّمة للدول النامية المتضررة عن الخسائر والأضرار التي خلّفتها الكوارث المناخية التي تسببت بها أثناء تقدّمها. كما لا يزال هناك جدل كبير بين البلدان المعنية بالتعويضات والاستفادة منها، أي بين البلدان النامية عامة وتلك المصنّفة «الأكثر ضعفاً أو فقراً»، أو أقل البلدان نمواً (لا يتجاوز عددها 46 دولة) كما تقترح البلدان المتقدّمة. مع العلم أن بلداناً مثل باكستان التي ضربتها الفيضانات العام الماضي وليبيا هذا العام لا تُصنف في خانة «الأكثر فقراً»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى غالبية دول المنطقة العربية التي ستضربها الكثير من الكوارث المناخية كما هو متوقّع. كذلك من المرجّح أن لا ينتهي النقاش حول طبيعة المساهمات في هذا الصندوق، وهل هي «طوعية» أم «ملزمة» للبلدان الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي وللبلدان الناشئة الكبرى الأكثر تسبباً الآن بالانبعاثات (كالصين)، إضافة إلى الأسئلة المتعلقة بكيفية تمويل هذا الصندوق وإمكانية الأخذ بمقترحات وضع ضرائب خاصة على الشركات الاستخراجية الكبرى والبنوك الداعمة للوقود الأحفوري... وأن تكون مصادر التمويل بشكل تعويضات ناجمة عن ضرائب ملزمة، أي لا هبات ولا تبرعات ولا قروض. كما تخوّف البعض من أن يقر الصندوق تعويضات من دون تحديد مبالغ يفترض أن يحصّلها هذا الصندوق المخصّص للخسائر والأضرار، مع العلم أن الدراسات ذات الصلة تؤكد أنها ستكون ثلاثة أضعاف كلفة التخفيف والتكيّف! وليس مؤكداً بعد ما إذا كان ستتم مناقشة ومراجعة السند القانوني والفني الذي يفترض الاستناد إليه، في حال لم يتم الوفاء بالتزام الدول المتقدّمة لدفع التعويضات عن الخسائر والأضرار وفي حال اللجوء إلى المحاكم الدولية.
بغضّ النظر عن مستوى وحجم تمثيل رؤساء الدول ورؤساء الحكومات والوزراء… ومدى تأثير ذلك على سير المفاوضات، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، يشارك في هذا «الكوب» في دبي أكثر من 70 ألفاً من ممثلي الحكومات والقطاع الخاص والقطاع الأكاديمي والخبراء والإعلام والمجتمع المدني… وهو رقم قياسي في هذه المؤتمرات المتخصّصة التي تُعقد سنوياً (سُجّل أكثر من 140 مشاركاً من لبنان)، في ظل طغيان الصراع على الطاقة والموارد، مع حروب أو من دونها، ولا سيما إذا ما تم ربط الوصول إلى غاز المتوسط كبديل من الغاز الروسي بالنسبة إلى أوروبا. وهو موضوع لم يعد بالإمكان تجاهله عند الحديث عن كيفية تقييم قمم المناخ ومدى تطبيق الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وكيفية تحميل المسؤوليات عن الكوارث التي تتسبب بها السياسات والمصالح الدولية الكبرى. وانطلاقاً من ذلك، يُعتبر الحديث عن الانتقال العادل للطاقة، أي الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجدّدة، كما سيُحكى طوال فترة انعقاد المؤتمر حتى 12 الجاري، مجرد فولكلور، أو مجرد دعم من الدول الصناعية الكبرى للشركات الصغرى الناشئة عندها، لتشجيعها على الاستثمار وفتح أسواق جديدة… ومن بعد مصالح شركاتها الكبرى (والصغرى) الطوفان.