أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، في كانون الأول الماضي، مؤشّر القدرة الإنتاجية الذي يتيح قياس قدرة الدول على التكامل الاقتصادي سواء ضمن مجموعات أو بشكل ثنائي وقطاعي. وهو قياس مبني على مجموعة مستويات لهذا المؤشّر تحدّد مكامن الضعف والقوة الموجودة في كل اقتصاد، ما يفتح المجال لرسم سياسات اقتصادية ثنائية أو متعددة الأقطاب. ووفقاً للمركز الاستشاري للدراسات، يوفّر هذا المؤشّر «رؤية شاملة وفهماً أكثر شمولاً للقدرات الاقتصادية للدول مقارنة بالمقاييس التقليدية كالناتج المحلّي»، فضلاً عن أنه «يتيح إجراء مناقشات بين الدول» وهو ما يمكن استغلاله لبناء قدرات إنتاجية أكبر عبر توجيه السياسات الاقتصادية والاستثمارية نحو القطاعات التي تحتاج فعلياً إلى تطوير واستثمار.وقد أظهر المؤشّر أن لبنان احتلّ المركز 135 من بين 194 اقتصاداً حول العالم، إذ بلغ مؤشّر القدرة الإنتاجية 41، وهو ما يمثّل انخفاضاً بعد الانهيار المصرفي والنقدي في عام 2019 حين سجّل المؤشر 45.4. وبحسب «الأونكتاد»، فإنّ القدرات الإنتاجية المشار إليها في هذا المؤشّر، هي: «موارد الإنتاج وقدرات ريادة الأعمال وروابط الإنتاج التي تحدد، مجتمعة، قدرة بلد ما على إنتاج السلع والخدمات وتمكّنه من النموّ والتطوّر». ويتكوّن المؤشّر من عوامل إنتاج مختلفة تتضمن رأس المال البشري، رأس المال الطبيعي، الطاقة، النقل، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، المؤسسات، القطاع الخاص، والتغيّر الهيكلي.
بحسب نتائج المؤشّر، فإن لبنان يحتلّ المرتبة الأولى بين الدول المجاورة (مثل العراق، الأردن، سوريا، مصر وإيران) في مجال النقل، وحاز على 39.6 نقطة، في حين أن الأردن هي الأقرب بنحو 34 نقطة، والعراق هو الأبعد 19.3 نقطة. هذا المؤشّر يقيس قدرة النظام على نقل البضائع والأشخاص جواً وبحراً، إضافة إلى طول الطرقات وسكك الحديد. علماً أن لبنان يحظى بعلامة مرتفعة من دون وجود سكك حديد فيه، لكن النقل الجوّي يعوّض ذلك بسبب التوافد الكبير للمسافرين في مواسم السياحة، وهو أمر له دلالات اقتصادية مرتبطة بطبيعة النموذج والاعتماد على النقل الخاص وعلى تدفقات الأموال من الخارج.
يسجّل القطاع الخاص مستوى متقدّماً في هذا المؤشّر، إذ حصل لبنان على 48.5 نقطة، أي في المركز الثاني بعد الأردن الذي سجل 51.8 نقطة، بينما تسجّل سوريا أدنى علامة مسجّلة لهذا القطاع بنحو 33.5 نقطة. الهدف من القياس يتعلق بسهولة التجارة والأعمال عبر الحدود، وهذا يشمل الوقت والكلفة المالية للاستيراد والتصدير، والتمويل الائتماني المحلّي للأعمال، وسرعة إنفاذ العقود والوقت اللازم لبدء عمل تجاري. لكن المشكلة أن لبنان يعاني من مسار انحداري بسبب انهيار القطاع المصرفي المسؤول عن عملية التمويل وتسهيل القدرة على التجارة مع الخارج.
أيضاً يحتل لبنان المركز الثاني في قياس رأس المال البشري بنحو 45 نقطة، بينما تستحوذ إيران على المركز الأول بنحو 52.9 نقطة. ويقيس هذا المؤشّر مستويات التعليم والمهارات والظروف الصحية للسكان، إضافة إلى مدى تكامل البحث والتطوير في نسيج المجتمع. من هذه الناحية، يحصل التكامل من دون حاجة إلى أي سياسات مدروسة بين الدول، إلا أنه إذا حدث بهذه الطريقة قد لا يكون من مصلحة البلدان التي تخسر رصيدها البشري. فعلى سبيل المثال يخسر لبنان جزءاً كبيراً من رأس ماله البشري، لدول الخليج التي تستطيع أن تُقدم أجوراً مادية أكبر من الاقتصاد اللبناني بسبب توافر رأس المال النفطي في الخليج. وهذا الأمر على الصعيد الكلّي ليس في مصلحة الاقتصاد اللبناني الذي يستطيع أن يستغل رأس المال البشري لديه لبناء إنتاج محلّي، أو من خلال التبادل مع دول الخليج عبر رسم استراتيجية تكامل اقتصادية.
ويسجّل لبنان موقعاً متأخراً في رأس المال الطبيعي الذي يقيس مدى توافر الموارد الاستخراجية والزراعية، بما في ذلك الإيرادات المتولّدة من استخراج الموارد الطبيعية. كما يعاني من مستوى منخفض في تكنولوجيا الاتصالات التي تشير إلى إمكانية الوصول إلى أنظمة الاتصالات ومدى انتشارها وتكاملها بين السكان.