صادق مجلس النواب أول من أمس على قانون معجّل مكرّر لتحديد القانون الواجب تطبيقه على المتطوعين المثبّتين في الدفاع المدني، وإخضاع هؤلاء البالغ عددهم 2124 لأحكام المرسوم الاشتراعي الرقم 112 الصادر بتاريخ 12 حزيران 1959 وتعديلاته (نظام الموظفين)، ما يسمح باستفادتهم من الرواتب والتعويضات والمنافع الاجتماعية.كان يمكن أن يمرّ هذا القانون، كما قانون التمديد للبلديات، باعتباره أمراً واقعاً لا خيارات كثيرة متاحة فيه. لكن التدقيق يظهر مغالطات قانونية تجعل منه «هرطقة» قانونية قائمة على «تركيب طرابيش».
ليس ثمة خلاف في حقّ هؤلاء في الحصول على رواتب ومكتسبات وتقديمات اجتماعية أسوة بالموظفين، باعتبار أن لهم حقاً مكتسباً تتغاضى عنه السلطة منذ سنين طويلة بعدما تعهّدت سابقاً بتثبيتهم، ووفت بعد تسويف طويل بوعدها، لكنها حارت كيف توصّفهم وظيفياً لجهة ضمان استفادتهم من «مكمّلات» الراتب، رغم أنهم يخضعون للقانون 17 (القانون الرقم 59 تاريخ 17 تشرين الأول 2017) الذي ينصّ على أنه «تطبق على عناصر الدفاع المدني لجهة تطويعهم وتسريحهم وسائر نواحي حياتهم الوظيفية الأحكام المطبقة على قوى الأمن الداخلي».
بدأ هذا الجدل العام الماضي، مع صدور المرسوم 11966 الذي ثبّت بموجبه 2124 متطوعاً في الدفاع المدني في ملاك وزارة الداخلية والبلديات بناءً على نتائج مباراة محصورة أجريت لهم. وقضى المرسوم في حينه بتأمين الاعتمادات اللازمة لهؤلاء من الاعتمادات الإضافية المقترحة في موازنة 2023. مرّ «قطوع» الرواتب، فيما لم تمرّ مكمّلاته، واصطدمت السلطة بكيفية تدبير هذه التقديمات، ولا سيما الطبابة. كان أول الخيارات أن «يدمج» هؤلاء في سلك قوى الأمن الداخلي بحسب القانون 17. غير أنه، بحسب مصادر متابعة، «جاء الجواب من قوى الأمن بالرفض، فحاولوا ربط هذا الأمر بالجيش الذي رفض أيضاً». طوال تلك الفترة، لم يتطرّق النقاش إلى إمكانية تحديث هذا الجهاز ووضع مشروع متكامل لتعزيزه، أسوة بالأسلاك العسكرية الأخرى، إذ كان الجواب الجاهز «ما عنّا إمكانيات». لذلك، جرى البحث عن سبل أخرى لحلحلة هذا الوضع، فكانت «الهرطقة القانونية»، بحسب النائب ملحم خلف، في القانون المعجل المكرر الذي قضى بإخضاع المثبتين - مؤقتاً - لأحكام نظام الموظفين الذي يعدّ هؤلاء بموجبه موظفين في الملاك الإداري العام. ومع المصادقة على القانون باتوا خاضعين تلقائياً لنظام الموظفين، «ومنتسبين حكماً الى تعاونية موظفي الدولة في ما يخصّ كل مكمّلات الراتب من طبابة واستشفاء ومنح مدرسية وغيرها». ولئن كانت التعاونية قد أخذتهم في الحسبان في موازنة عام 2024، بحسب مديرها العام يحيى خميس، «لكونهم مسجّلين لدينا كمستفيدين»، إلا أن ما قد يغيّر تلك الحسابات هو «إذا زادت الأعداد، فعندها يمكن الحديث عن عبء». وإذ كان خميس حاسماً في قضية إنصاف هؤلاء «طالما أن القانون أعطاهم هذا الحق»، إلا أن ثمة تناقضاً هنا يطرحه خميس وغيره: هل سيكون تطبيق المرسوم 112 محصوراً بعدد المثبّتين الـ 2124، بانتظار أن يصار إلى حل نهائي لهذا الملف باعتبار أن القانون المعجل المكرر جاء مؤقتاً، أم سيكون كما غيره من القوانين المؤقتة، وكل من يثبت لاحقاً سيلحق تلقائياً بالمرسوم 112، انطلاقاً من المعادلة التي تقول إن كل «مؤقت دائم»؟
ثمّة أمران يجب الالتفات إليهما هنا: إذا كان هذا القانون محصوراً بالـ 2124، فكيف سيكون التعاطي مع متطوعين جدد، ووفق أيّ قانون سيتم تطويع هؤلاء؟ بحسب خلف، إن كان سيتمّ تطويعهم على أساس القانون 17، فهذا يعني «أننا أمام إخلال خطير بالتشريع، انطلاقاً من أنه بالتوصيف الوظيفي سيكون جزء منهم خاضعاً للقانون 17 وآخر للمرسوم 112، وهذه هرطقة قانونية بأن يكون أشخاص في سلك واحد يخضعون لقانونين مختلفين». أما إذا كان سيتمّ التعاطي مع المؤقت باعتباره دائماً، فسيكون كل «متطوع مثبت في الجهاز مشروع موظف بالإدارة العامة، وفي ذلك مخالفة لمبدأ عدم التوظيف والحشو في الإدارة العامة». وفي كلتا الحالتين، لا توصيف آخر لهذا القانون، بحسب خلف، سوى أنه «ارتجاليّ وخطير وسابقة تؤسّس لهرطقات تشريعية أخرى». يضاف إلى ذلك أنه لا يمكن تطبيق صفة العجلة في موضوع كهذا، انطلاقاً من أن مناقشة هذا الإلحاق تفترض «مناقشته في اللجان النيابية لنرى مدى مواءمته مع قوانين سابقة، مع الأخذ في الحسبان رأي هيئة الاستشارات والتشريع، ومجلس الخدمة المدنية الذي له الكلمة الفصل».