في العامين الماضيين، كاد وجود «الدولة» ممثلة برجال الأمن أن يختفي من الطرقات، شأنه شأن الإنارة التي لم يعد لها وجود في بعض شوارع بيروت المُظلمة التي تحوّلت إلى بؤر للسلب والسرقة بقوة السلاح. ولكن، كمن «يلاعب» طفلاً، تطلّ الدولة برأسها فجأة، بين حين وآخر، لتقول «أنا هنا»، مستقوية بـ«أبناء الدولة» على المخالفين الفقراء، ومتغافلة عمّن أكل حقوق هؤلاء الأبناء أنفسهم. هكذا سيستقوي نقيب في قوى الأمن الداخلي على «عسكري» يقود دراجة مخالفة توصله إلى مركز خدمته، فيما يقف طموح كلاهما عند 100 دولار تمنّ بها منحة من دولة أجنبية شهرياً.تستعرض الدولة عضلاتها المُصطنعة في خطة أمنية تدوم لعشرة أيامٍ، قبل أن تختفي ربّما لسنتين قادمتين. تحجز المركبات والدراجات النارية وتغرّم «المخالفين» الذين فشلت منذ نحو عام ونصف عام في تسيير «النافعة» لتكون قادرة على أن «تحطّ على عينهم» بضرورة تسجيل مركباتهم والاستحصال على دفاتر سيارات ودراجات ودفاتر سوق ولوحات. تضرب بيدٍ من حديد على طرقات بيروت وضواحيها، فيما كسرت شركة «انكريبت» يدها في واحدٍ من أهم مرافق الدولة حين عطّلت العمل في «النافعة» على مدى شهرين، وتقف عاجزة أمام ابتزاز فاسدي مصلحة تسجيل السيارات التي عادت أخيراً إلى العمل التدريجي، من دون قدرة على تلبية الطلب، نتيجة نقص العاملين والمواد المطلوبة لإنجاز المعاملات من دفاتر سوق وسيارات ولوحات. وفي هذا، فإن الدولة كمن يشجع على المخالفة ويقمع المخالفين!
معظم «غنائم» اليوم الأول من الخطة آليات لم يتمكن اصحابها من إنجاز معاملاتهم في «النافعة»


كل ذلك، يقود إلى أنّ عدداً لا يُستهان به من «غنائم» اليوم الأول من الخطة الأمنية يعود لأفرادٍ لم يتمكنوا من إنجاز معاملاتهم في «النافعة» وتشريع أوضاع مركباتهم ودراجاتهم، من دون أن يعني هذا أن لا وجود لمخالفين، وإنّما لتذكير وزير الداخلية المتحمّس بسّام المولوي بأن الأمن استمرارية، وليس ردّة فعلٍ تتماهى مع خطابٍ تحريضي، يوجّه تارة ضد المنطقة المحيطة بمطار بيروت، وأخرى ضد النازحين السوريين. قمع المخالفات مطلوب، لكنه يبقى منقوصاً إنّ لم تكتمل الحلقة، بدءاً من تفعيل عمل «النافعة» التي ستكون أمام ضغطٍ كبير على خلفية حجز أعداد ضخمة من السيارات والدراجات يُفترض بأصحابها تسوية أوضاعها، مروراً بمحاولة بسط الأمن على مدار الوقت، وتنفيذ مداهمات جدية لتوقيف المطلوبين الذين تعرفهم القوى الأمنية بالأسماء وتعرف أماكن وجودهم، عوضاً عن الاكتفاء بقمع مخالفات السير.