تتصارع الديوك في ما بينها لتحدّد الزعيم على المجموعة الداجنة. هذا النوع من الصراع محطّ اهتمام العديد من المراهنين في شتّى دول العالم، كذلك في لبنان بمناطقه كافة، من الشمال وصولاً إلى الجنوب مروراً بالبقاع وجبل لبنان.
وينص مشروع قانون الرفق بالحيوان الذي أعدّته وزارة الزراعة بالتعاون مع جمعية Animals Lebanon على حظر تنظيم أي عراك بين الحيوانات أو بينها وبين الإنسان. ورغم أن هذا النوع من المراهنات غير منتشر بنحو واسع في لبنان، يؤكد نشطاء الرفق بالحيوان أن حلبات العراك بين الديوك والكلاب تتزايد، وهي تقام في أماكن تحت الأرض وتخضع لرقابة مشددة من قبل أصحابها للمحافظة على طابعها السري.
وتمتد أصول هذه اللعبة الدموية الى أكثر من ستة آلاف عام حيث ازدهرت في بلاد فارس والهند والصين، وتكشف المواقع الاثرية الرومانية عن أعمال فسيفساء تصور الصراع بين الديوك.
ويقول مناهضو مصارعة الديوك إنها تعبير واضح عن القسوة ضد الحيوان وتشجع المراهنات غير القانونية. وللقانون المقترح عقوبات تتنوع بين غرامة مالية تتراوح بين ثلاثة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية، أو الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين لكل من يخالف الشروط القانونية للمنشآت الخاصة بتربية الحيوانات والخاضعة لمواد القانون، ما خص طريقة التدجين أو سوء معاملة الحيوانات، كما يحق للمحكمة سحب التراخيص وإقفال المنشآت مؤقتاً أو نهائياً ومصادرة الحيوانات عند المخالفة، ويمنع المخالف من القيام بأي نشاطات ينص عليها القانون لمدة سنة على الأقل، وفي حال تكرار الجرم تضاعف العقوبات.
أحمد شاب لبناني في العقد الثالث من العمر، فضّل عدم الكشف عن كامل اسمه، يعمل خبيراً في تدريب الديوك المقاتلة، قال لـ«الأخبار» إن الديوك الأفضل إما تركية وإما برازيلية المنشأ، وذلك لفطرتها العدائية منذ صغرها. فالفراخ يقتل بعضها بعضاً عند التفقيس من البيض ليبقى منها واحد إلى ثلاثة على أبعد تقدير. لهذه الديوك «شرف»، بحسب تعبيره، أي إنها تنتمي إلى عائلة مقاتلة معروفة بالثبات والشجاعة في القتال ولا تميل إلى الهرب ولو كانت النتيجة موتها المحتم.
هناك تنافس محموم بين مربّي الديوك لتأهيل طيورهم لخوض المنافسات، حيث تجري عملية التدريب على مدار 8 شهور، ويجري إخضاع الديوك لتمرينات لياقة يومية لتنمية وشحذ عضلاتها، كما أنها تدهن بالعسل لتعزيز قوة جلودها. ويستخدم مربّو الديوك بعض الحيل بهدف الغش لدعم طيورهم، كأن يقوم أحدهم مثلاً بطلي وجه الديك بدهن ليصبح أملس ولا يتأثر بضربات منقار الخصم، ومن المحتمل أيضاً إقدام المدرب على وضع رائحة كريهة تحت جناح الديك لإبعاد المنافس عنه.
يؤكد أحمد أن سعر الديك يتحدد من خلال مقدرته على القتال، وهذا ما يزيد سعره، فضلاً عن الربح، ما يضاعف الرهان عليه ويزداد عدد المقبلين على شرائه، ليصل سعره إلى عشرين ألف دولار أميركي، في حالات معينة، خصوصاً إذا كان لديه سجل انتصارات حافل لأربع عشرة مباراة متتالية.
يضيف أحمد «نحن لا نقوم بالمراهنات العلنية، بل هي ضمنية بين الأصدقاء بمبالغ مالية زهيدة قد لا تتعدى خمسين ألف ليرة، أو عزيمة غداء، بينما في حلبات أخرى بدأت تنتشر يمكن أن تصل قيمة الرهان الى مئات الدولارات، إذ باتت المراهنات على صراع الديوك تحظى بالرواج، كما في العراق والبحرين والكويت وسوريا والسعودية وقطر، فهي تتخطى المألوف والمتعارف عليه حتى في دول المنشأ الأصلي لما يسمونه رياضة مبارزة الديوك، كأفغانستان وباكستان وتركيا، حيث تصل قيمة الرهان في دول الخليج إلى مئة ألف دولار للمباراة الواحدة.
ويبرر أحمد تنظيم مثل هذه المباريات لإبراز الديوك التي يملكها، أو استوردها من تركيا، كنوعٍ من التسويق لها، وذلك عبر تصويرها وإرسال الفيديوات لزبائنه والراغبين عبر (Whats App) أو المشاهدة المباشرة بتقنية سكايب (Skype) ليتم بعد ذلك شراء الديوك وشحنها على نفقة المشتري، بعد أن تحظى بشهادةٍ صحية من وزارة الزراعة بحسب الأصول القانونية.
ولهذه الديوك استراتيجيتها الخاصة في القتال ــ والكلام دائماً بحسب أحمد ــ. فوزن الديك الذي يتراوح بين ثلاثة كيلوغرامات الى خمس يتأثر سلباً أو إيجاباً بأدائها القتالي، فإذا كان هدف المباراة إبراز الرشاقة والتقنية القتالية يختار المتنافسون ديوك الوزن الخفيف فتشهد بذلك مباراة تتخللها السرعة والتشويق، أما إذا كان الهدف منها إبراز الصلابة والقدرة على التحمل فديوك الوزن الثقيل هي الأمثل لذلك.
يمنع على الفراخ المشاركة في المباريات، بل يحصر الأمر بالديوك التي تجاوزت عشرة أشهر من العمر، كذلك الديوك العتيقة التي أتمت السنتين والتي لا تزال قادرة على القتال. مدة المباراة ساعة ونصف مقسمة إلى ست جولات، بمعدل دقيقة راحة مقابل كل أربع عشرة دقيقة صراعاً يتسنى خلالها لصاحب الديك أن يقوم بغسله بالماء لتبريد حرارته. والفائز يكون للذي يقتل خصمه والخاسر الذي يرضخ أو ينكفئ أو يهرب. والديك الذي يرقد أرضاً ثلاث مرات متتالية خلال ثلاث دقائق تعلن خسارته.
وللديوك المقاتلة أسلحتها، فمناقيرها الصلبة تستعمل لإخضاع الخصم، أما أجنحتها فتمثّل أدوات تشتيت وتضليل لذهن الخصم، فيما تعمل قوائمها كسلاح فتاك قاتل من ضربة واحدة. وتحظى الديوك بإصبع يسمى السيف تشحذه دائماً بواسطة التراب، مسنن الرأس كالإبرة يستطيع اختراق صفيح التنك، ويستعمل للدفاع أو الهجوم ويلحق الضرر المميت بالخصم إن كان ديكاً أو حتى أفعى. وينفي أحمد قيامه بربط شفرات حادة بقوائمها كما يحدث في أفغانستان أو السعودية وباكستان.