انه شريط موجع، كتب الواقع كما هو بلا مساحيق وبلغة بذيئة، لم يترك كلمة نابية في قاموس اللهجة التونسية الشعبية لم يستعملها للتعبير عن حنق الشباب التونسي على بلاده في العهدين. لم يمنحاهم شيئاً الا البطالة والاحتقار والتهميش ليصبح الحلم الوحيد هو الهروب إلى ايطاليا عبر زوارق الموت المعروفة بـ «الحرقة». إذ يلتهم البحر كل شهر منذ سنوات عشرات الشبان ضحايا أوهام الهجرة والجنة الأوروبية. يحفل الشريط أيضاً ببعض الكلمات الإيطالية.
يرصد العمل خيبة الشباب التونسي من الواقع رغم الانتفاضةخيري ومحمد يعملان في تجارة «القرط» (علف الحيوانات) ويقضيان اليوم في حجرة شاحنة كبيرة لبيع علف الحيوانات بين المدن والقرى مقابل أجر زهيد لا يتجاوز ٩ دولارات. في الليل، يلتقيان مع أبناء الحي في القصر الحسيني لشرب الخمر الرديء، وتدخين الزطلة ورثاء حياتهم التافهة. فهم يدورون في المكان نفسه بلا أمل ولا طموح، فعبد القادر أصابته رصاصة خلال الثورة، فأصبح يعيش بساق واحدة وخيري في لحظة سكر يسكب البنزين على جسده، فيحترق لينهي حياته مشوّهاً.
إنّها المرارة الكاملة التي تفوح من هذا الشريط التسجيلي البديع. واقع الاحباط ومرارة الخسران وفقدان الأمل التي تلتهم حياة الشباب التونسي (٦٠٠ الف خريج جامعة عاطل عن العمل) لم تترك مجالاً لجميل الكلام. إنّها بذاءة الواقع وقسوته اللتان نجح حمزة العوني في التقاطهما من خلال ثلاث شخصيات بدا واضحاً أنّه اختارها عن قصد وبعد دراسة عميقة. لذلك، لم تكن صدفة أن يحصل الشريط على «التانيت البرونزي» خلال مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» الأخيرة عام 2014.