فرح داغر
دمشق في الأربعينيات هي بطل رواية «مصرع ألماس» للروائي السوري ياسين رفاعية. في طبعتها الرابعة التي صدرت أخيراً عن «دار الخيال»، ألحق رفاعية بالرواية دراستين عنها للبناني سامي سويدان وللكاتب المصري يوسف الشاروني. وتقدّم الرواية مجموعةً من العلاقات المتشابكة والمتداخلة حول شخصيات قبضايات الشام في حيّ الشاغور والميدان والعقيبة حيث ولد الكاتب عام 1934. هناك شخصيتان أساسيتان في العمل: أبو علي ألماس وأبو عبدو الطويل. وقد عزا رفاعية الكتابة عنهما إلى «حكواتي مقهى حيّ العقيبة الذي كنت ألتصق بجانبه وأستمع إليه وهو يروي قصة عنترة والمهلهل والزير، وتلك الأساطير الرائعة. واندفعت بذاكرتي بطولة هؤلاء النبلاء ووجدت بديلاً عنهم الرجال الذين صرت أعاشرهم وأراهم بعيني».
في الرواية العديد من المفارقات والحكايات التي تفضي الواحدة منها إلى الأخرى وهي وقود السرد لدى رفاعية، حيث تنقلب الأشياء فجأة وتنجرّ الشخصيات إلى مصير مفاجئ ومرير، فالصداقة والحب يقودان أصحابهما إلى التهلكة والفقدان والتشرّد.
يلعب رفاعية نفسه دور الحكواتي. هكذا، يسرد بلغة سلسة تنتقل بين الفصحى والعامية وبمستويات مختلفة من السرد وأساليبه. إذ تتداخل الأزمنة والرواة من خلال ست جرائم، تبدأ بمقتل وديع اليهودي على يد ألماس لأنّه كان يتجسّس على الثوار لمصلحة الاحتلال الفرنسي. ثم تنتهي بمقتل ألماس نفسه على يد رفيق عمره وصاحبه أبو عبدو. الصداقة الحميمة التي تجمع أبو عبدو بألماس البطل الشعبي الذي تخاف منه العفاريت وتردع الأمهات به أبناءهن، لم تشفع للأخير عندما بدأ بمعايرة أبو عبدو بابنته المدلّلة امتثال التي تقع في غرام ضابط فرنسي وتسلّمه نفسها فيقتلها شقيقها.
ألماس يجد نفسه مسؤولاً بشكل ما عن تحقيق العدالة في الحي. هو يعيل أسرة أبو الود المناضل القديم المصاب والعاجز جنسياً ويكتم حبه لزوجته حسنية. لكنّه لا يحتمل أن تهب الأخيرة نفسها لرجل آخر فيقتل الاثنين معاً ليثأر لأبو الود ولنفسه أيضاً. ثم يختفي لتحاك حوله الخرافات حتى يشيع أنّه يعيش في الصحراء بين العراق وسوريا، حيث تعارك مع الذئاب وقتل عدداً منها. الرواية التي كتب تعريفاً بها الناقد الراحل محيي الدين صبحي تكتنف أكثر من أربعين راوياً بين غائب ومجهول، كذلك تضم في ثناياها ذلك العالم الحي من الأساطير والخرافات، حيث الحب والجنس والقتل والثورة والملحمة الشعبية. وهي عمل طوره رفاعية عن قصة قصيرة سبق أن نشرها وشعر بأنّها تحمل نواةً لعمل سردي طويل مثلما يشير هو نفسه في خاتمة عمله «أسرار النرجس» (1999).
وكانت قد صدرت لرفاعية العام الماضي رواية «الحياة عندما تصبح وهماً» حيث يروي رحلته مع معاناة زوجته الشاعرة السورية أمل جراح مع المرض. هو الذي عرف بمجموعته القصصية «العصافير» (1974) وكانت إحدى من أهم أعماله، بالإضافة إلى روايتيه «الممر» و«راس بيروت» حيث تناول سنوات الحرب الأهلية في بيروت. ومن أعماله أيضاً ثلاثة دواوين شعرية هي «جراح» و«لغة الحب» و«أنت الحبيبة وأنا العاشق». وله كتاب بعنوان «ذكريات» تحدث فيه عن أصدقائه معين بسيسو وصلاح عبد الصبور وخليل حاوي وفؤاد الشايب.